الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2719 [ ص: 514 ] باب منه

                                                                                                                              وهو في النووي في (الباب المتقدم) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ص 104 ج10 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أبي إسحق، قال: كنت مع الأسود بن يزيد، جالسا في المسجد الأعظم، ومعنا الشعبي ، فحدث الشعبي : بحديث فاطمة بنت قيس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يجعل لها: سكنى ولا نفقة. ثم أخذ الأسود: كفا من حصى، فحصبه به. فقال: ويلك! تحدث بمثل هذا؟ قال عمر: لا نترك كتاب الله، وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، لقول امرأة، لا ندري: لعلها حفظت، أو نسيت. لها السكنى والنفقة. قال الله عز وجل: لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              قال الدارقطني : الذي في كتاب ربنا : إنما هو إثبات السكنى . وقوله : " سنة نبينا " : زيادة غير محفوظة . لم يذكرها جماعة من الثقات . انتهى .

                                                                                                                              قال في "السيل" : إن السلف فهموا بأمر هذه الآية : أنها في الرجعية .

                                                                                                                              [ ص: 515 ] لقوله تعالى في آخر الآية : ( لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) . وليس الأمر الذي يرجى إحداثه : إلا الرجعة ، لا سواها . انتهى . وهو الذي حكاه الطبري : عن قتادة ، والحسن ، والسدي ، والضحاك . ولم يحك عن أحد غيرهم : خلافه .

                                                                                                                              قال في "الفتح" : وحكى غيره : أن المراد بالأمر : ما يأتي من قبل الله تعالى من نسخ ، أو تخصيص ، أو نحو ذلك . فلم ينحصر . انتهى .

                                                                                                                              ولو سلم العموم في الآية : لكان حديث فاطمة المذكور : مخصصا له .

                                                                                                                              وبذلك يظهر ، أن العمل به : ليس بترك الكتاب العزيز . كما قال عمر رضي الله عنه . فلا يتم به الاستدلال : على وجوب السكنى للبائن .

                                                                                                                              وأما السنة ; فحديث فاطمة بنت قيس : نص في موضع الخلاف. فيكون المصير إليه : متحتما . ومن ذهب إلى خلافه ، فقوله محجوج . ولا يصلح قول أمير المؤمنين عمر " رضي الله عنه" : لمعارضة الحديث المرفوع ، الصحيح الصريح . وصرح الأئمة بأنه : لم يثبت شيء من السنة ، يخالف قول فاطمة . وما وقع في بعض الروايات عن عمر : أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : " لها السكنى والنفقة " . فقد قال الإمام أحمد : لا يصح ذلك عن عمر . وقال الدارقطني : السنة بيد فاطمة قطعا .

                                                                                                                              [ ص: 516 ] فإن قلت : إن ذلك القول من عمر : يتضمن الطعن على رواية فاطمة ، لقوله : لقول امرأة ، لا ندري لعلها حفظت أو نسيت : فقد قال الشوكاني : هذا مطعن باطل ، بإجماع المسلمين . للقطع بأنه ; لم ينقل عن أحد من العلماء : أنه رد خبر امرأة ، لكونها امرأة . فكم من سنة ، قد تلقتها الأمة بالقبول ، عن امرأة واحدة من الصحابة . هذا لا ينكره : من له أدنى نصيب من علم السنة . ولم ينقل أيضا عن أحد من المسلمين : أنه يرد الخبر ، بمجرد تجويز نسيان ناقله . ولو كان ذلك مما يقدح به : لم يبق حديث من الأحاديث النبوية ، إلا وكان مقدوحا فيه. لأن تجويز النسيان : لا يسلم منه أحد . فيكون ذلك مفضيا إلى تعطيل السنن بأسرها . مع كون فاطمة ، من المشهورات بالحفظ. كما يدل على ذلك : حديثها الطويل ، في شأن الدجال . ولم تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إلا مرة واحدة . يخطب به على المنبر . فوعته جميعه . فكيف يظن بها : أن تحفظ مثل هذا ، وتنسى أمرا متعلقا بها ، مقترنا بفراق زوجها ، وخروجها من بيته ؟!

                                                                                                                              واحتمال النسيان : أمر مشترك بينها ، وبين من اعترض عليها . فإن عمر "رضي الله عنه " ، قد نسي تيمم الجنب . وذكره عمار ، فلم [ ص: 517 ] يذكر . ونسي قوله تعالى : ( وآتيتم إحداهن قنطارا ) . حتى ذكرته امرأة . ونسي : ( إنك ميت وإنهم ميتون ) . حتى سمع أبا بكر يتلوها.

                                                                                                                              وهكذا ، يقال في إنكار عائشة "رضي الله عنها " .

                                                                                                                              وهكذا ، قول مروان : سنأخذ بالعصمة .

                                                                                                                              وهكذا ، إنكار الأسود بن يزيد ، في هذا الحديث : على الشعبي .

                                                                                                                              ولم يقل أحد منهم : بأن فاطمة كذبت في خبرها . والله أعلم .




                                                                                                                              الخدمات العلمية