الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - عز وجل -: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ؛ قيل: إنهم كانوا يزعمون أنه ليس لحمال؛ ولا أجير؛ ولا تاجر؛ حج؛ فأعلمهم الله - عز وجل - أن ذلك مباح؛ وأنه لا جناح فيه؛ أي: لا إثم فيه؛ و " جناح " ؛ اسم " ليس " ؛ والخبر " عليكم " ؛ وموضع " أن " ؛ نصب؛ على تقدير: " ليس عليكم جناح في أن تبتغوا " ؛ فلما أسقطت " في " ؛ عمل فيها معنى " جناح " ؛ المعنى: " لستم تأثمون أن تبتغوا... " ؛ أي: " في أن تبتغوا... " . [ ص: 272 ] وقوله - عز وجل -: فإذا أفضتم من عرفات ؛ قد دل بهذا اللفظ أن الوقوف بها واجب؛ لأن الإفاضة لا تكون إلا بعد وقوف؛ ومعنى " أفضتم " : دفعتم بكثرة؛ ويقال: " أفاض القوم في الحديث " ؛ إذا اندفعوا فيه؛ وأكثروا التصرف؛ و " أفاض الرجل إناءه " ؛ إذا صبه؛ و " أفاض البعير بجرته " ؛ إذا رمى بها متفرقة كثيرة؛ قال الراعي:


                                                                                                                                                                                                                                        وأفضن بعد كظومهن بجرة ... من ذي الأباطح إذ رعين حقيلا



                                                                                                                                                                                                                                        و " أفاض الرجل بالقداح " ؛ إذا ضرب بها؛ لأنها تقع منبعثة؛ متفرقة؛ قال أبو ذؤيب :


                                                                                                                                                                                                                                        وكأنهن ربابة وكأنه ...     يسر يفيض على القداح ويصدع



                                                                                                                                                                                                                                        وكل ما في اللغة من باب الإفاضة فليس يكون إلا من تفرقة أو كثرة. وقوله - عز وجل -: من عرفات ؛ القراءة والوجه: الكسر؛ والتنوين؛ و " عرفات " : اسم لمكان واحد؛ ولفظه لفظ الجمع؛ والوجه فيه الصرف؛ عند جميع النحويين؛ لأنه بمنزلة " الزيدين " ؛ يستوي نصبه وجره؛ وليس بمنزلة هاء التأنيث؛ وقد يجوز منعه من الصرف إذا كان اسما لواحد؛ إلا أنه لا يكون إلا مكسورا؛ وإن أسقطت التنوين؛ قال امرؤ القيس: [ ص: 273 ] تنورتها من أذرعات وأهلها ... بيثرب أدنى دارها نظر عال

                                                                                                                                                                                                                                        فهذا أكثر الرواية؛ وقد أنشد بالكسر بغير تنوين؛ وأما الفتح فخطأ؛ لأن نصب الجمع وفتحه: كسر. وقوله - عز وجل -: فاذكروا الله عند المشعر الحرام ؛ هو مزدلفة؛ وهي جمع؛ يسمى بهما جميعا المشعر المتعبد. وقوله - عز وجل -: واذكروه كما هداكم ؛ موضع الكاف نصب؛ والمعنى: واذكروه ذكرا مثل هدايته إياكم؛ أي: يكون جزاء لهدايته إياكم؛ واذكروه بتوحيده؛ والثناء عليه؛ والشكر. وقوله - عز وجل -: وإن كنتم من قبله لمن الضالين ؛ معنى " من قبله " : أي: من قبل هدايته؛ ومعنى " كنتم من قبله لمن الضالين " : هذا من التوكيد للأمر؛ كأنه قيل: وما كنتم من قبله إلا ضالين.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية