الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 2 ] ( ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ) ، قال قتادة ، والربيع ، ومقاتل وعوف الأعرابي : نزلت في اليهود والنصارى . كانت اليهود تصلي للمغرب والنصارى للمشرق ، ويزعم كل فريق أن البر ذلك .

وقال ابن عباس ، وعطاء ، ومجاهد ، والضحاك وسفيان : نزلت في المؤمنين ، سأل رجل النبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلت ، فدعاه وتلاها عليه .

وقال بعض المفسرين : كان الرجل إذا نطق بالشهادتين ، وصلى إلى أي ناحية ثم مات وجبت له الجنة ، فلما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونزلت الفرائض ، وحدت الحدود ، وصرفت القبلة إلى الكعبة ، أنزلها الله .

وقيل : سبب نزولها إنكار الكفار على المؤمنين تحويلهم عن بيت المقدس إلى الكعبة ، ومناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة : لأنها إن كانت في أهل الكتاب ، فقد جرى ذكرهم بأقبح الذكر من كتمانهم ما أنزل الله واشترائهم به ثمنا قليلا ، وذكر ما أعد لهم ، ولم يبق لهم مما يظهرون به شعار دينهم إلا صلاتهم ، وزعمهم أن ذلك البر ، فرد عليهم بهذه الآية .

وإن كانت في المؤمنين فهو نهي لهم أن يتعلقوا من شريعتهم بأيسر شيء كما تعلق أهل الكتابين ، ولكن عليهم العمل بجميع ما في طاقتهم من تكاليف الشريعة على ما بينها الله تعالى .

وقرأ حمزة وحفص : ( ليس البر ) بنصب الراء ، وقرأ باقي السبعة برفع الراء .

وقال الأعمش في مصحف عبد الله : " لا تحسبن البر " ، وفي مصحف أبي ، وعبد الله أيضا " ليس البر بأن تولوا " ، فمن قرأ بنصب " البر " جعله خبر ليس ، و " أن تولوا " في موضع الاسم ، والوجه أن يلي المرفوع لأنها بمنزلة الفعل المتعدي ، وهذه القراءة من وجه أولى ، وهو أن جعل فيها اسم ليس : " أن تولوا " ، وجعل الخبر " البر " ، وأن وصلتها أقوى في التعريف من المعرف بالألف واللام ، وقراءة الجمهور أولى من وجه ، وهو أن توسط خبر ليس بينها وبين اسمها قليل ، [ ص: 3 ] وقد ذهب إلى المنع من ذلك ابن درستويه تشبيها لها بما . . أراد الحكم عليها بأنها حرف ، كما لا يجوز توسيط خبر ما ، وهو محجوج بهذه القراءة المتواترة ، وبورود ذلك في كلام العرب .

قال الشاعر :


سلي إن جهلت الناس عنا وعنهم وليس سواء عالم وجهول



وقال الآخر :


أليس عظيما أن تلم ملمة     وليس علينا في الخطوب معول



وقراءة " بأن تولوا " على زيادة الباء في الخبر ، كما زادوها في اسمها إذا كان " أن " وصلتها . قال الشاعر :


أليس عجيبا بأن الفتى     يصاب ببعض الذي في يديه



أدخل الباء على اسم ليس ، وإنما موضعها الخبر ، وحسن ذلك في البيت ذكر العجيب مع التقرير الذي تفيده الهمزة ، وصار معنى الكلام : أعجب بأن الفتى ، ولو قلت أليس قائما بزيد لم يجز .

والبر اسم جامع للخير ، وتقدم الكلام فيه ، وانتصاب " قبل " على الظرف وناصبه " تولوا " ، والمعنى : أنهم لما أكثروا الخوض في أمر القبلة حتى وقع التحويل إلى الكعبة . وزعم كل من الفريقين أن البر هو التوجه إلى قبلته ، فرد الله عليهم ، وقيل : ليس البر فيما أنتم عليه ، فإنه منسوخ خارج من البر .

وقيل : ليس البر العظيم الذي يجب أن يذهلوا بشأنه عن سائر صنوف البر أمر القبلة . وقال قتادة قبلة النصارى مشرق بيت المقدس : لأنه ميلاد عيسى - على نبينا وعليه السلام - لقوله تعالى : ( مكانا شرقيا ) ، واليهود مغربه ، والآية رد على الفريقين .

التالي السابق


الخدمات العلمية