الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب النهي عن منع فضل الماء 2400 - ( عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكلأ } متفق عليه ولمسلم { لا يباع فضل الماء ليباع به الكلأ } وللبخاري { : لا [ ص: 363 ] تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به فضل الكلإ } )

                                                                                                                                            2401 - ( وعن عائشة قالت { : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمنع نقع البئر } رواه أحمد وابن ماجه )

                                                                                                                                            2402 - ( وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : من منع فضل مائه أو فضل كلئه منعه الله عز وجل فضله يوم القيامة } رواه أحمد )

                                                                                                                                            2403 - ( وعن عبادة بن الصامت : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { قضى بين أهل المدينة في النخل أن لا يمنع نقع بئر ، وقضى بين أهل البادية أن لا يمنع فضل ماء ليمنع به الكلأ } رواه عبد الله بن أحمد في المسند )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث عمرو بن شعيب في إسناده محمد بن راشد الخزاعي وهو ثقة وقد ضعفه بعضهم ، لكن حديث أبي هريرة يشهد لصحة الأحاديث المذكورة بعده ، ومما يشهد لصحتها حديث جابر عند مسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { نهى عن بيع فضل الماء } وحديث إياس بن عبد الله عند أهل السنن بنحوه وصححه الترمذي ، وقال أبو الفتح القشيري : هو على شرطهما ، ولكن حديث عمرو بن شعيب في إسناده ليث بن أبي سليم ، وقد رواه الطبراني في الصغير من حديث الأعمش عن عمرو بن شعيب ، ورواه في الكبير من حديث واثلة بلفظ : وإسناده ضعيف .

                                                                                                                                            وحديث عائشة رواه ابن ماجه من طريق عبد الله بن إسماعيل وهو ابن أبي خالد الكوفي ، قال أبو حاتم : مجهول ، وكذا قال في التقريب قوله : ( فضل الماء ) المراد به ما زاد على الحاجة ، ويؤيد ذلك ما أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة بلفظ : { ولا يمنع فضل ماء بعد أن يستغنى عنه } قال في الفتح : وهو محمول عند الجمهور على ماء البئر المحفورة في الأرض المملوكة وكذلك في الموات إذا كان لقصد التملك

                                                                                                                                            والصحيح عند الشافعية ونص عليه في القديم وحرملة ، أن الحافر يملك ماءها وأما البئر المحفورة في الموات لقصد الارتفاق لا التملك ، فإن الحافر لا يملك ماءها بل يكون أحق به إلى أن يرتحل وفي الصورتين يجب عليه بذل ما يفضل عن حاجته ، والمراد حاجة نفسه وعياله وزرعه وماشيته ، هذا هو الصحيح عند الشافعية ، وخص المالكية هذا الحكم بالموات ، وقالوا في البئر التي لا تملك : لا يجب عليه بذل فضلها وأما الماء المحرز في [ ص: 364 ] الإناء فلا يجب بذل فضله لغير المضطر على الصحيح ا هـ قال في البحر : والماء على أضرب : حق إجماعا كالأنهار غير المستخرجة والسيول وملك إجماعا يحرز في الجرار ونحوها ومختلف فيه كماء الآبار والعيون والقناة المحتفرة في الملك ا هـ والقناة : هي بفتح القاف الكظامة التي تحت الأرض ، وسيأتي ذكر الخلاف في ذلك

                                                                                                                                            قال ابن بطال : لا خلاف بين العلماء أن صاحب الحق أحق بمائه حتى يروي قال الحافظ : وما نفاه من الخلاف هو على القول بأن الماء يملك ، فكأن الذين يذهبون إلى أنه يملك وهم الجمهور هم الذين لا خلاف عندهم في ذلك

                                                                                                                                            وقد استدل بتوجه النهي إلى الفضل على جواز بيع الماء الذي لا فضل فيه ، وقد تقدم الكلام على ذلك في البيع قوله : ( ليمنع به الكلأ ) بفتح الكاف واللام بعدها همزة مقصورة : وهو النبات رطبه ويابسه ، والمعنى أن يكون حول البئر كلأ ليس عنده ماء غيره ولا يمكن أصحاب المواشي رعيه إلا إذا مكنوا من سقي بهائمهم من تلك البئر لئلا يتضرروا بالعطش بعد الرعي فيستلزم منعهم من الماء منعهم من الرعي ، وإلى هذا التفسير ذهب الجمهور ، وعلى هذا يختص البذل بمن له ماشية ويلحق به الرعاة إذا احتاجوا إلى الشرب ; لأنه إذا منعهم من الشرب امتنعوا من الرعي هناك ، ويحتمل أن يقال : يمكنهم حمل الماء لأنفسهم لقلة ما يحتاجون إليه منه بخلاف البهائم ، والصحيح الأول ، ويلتحق بذلك الزرع عند مالك

                                                                                                                                            والصحيح عند الشافعية وبه قالت الحنفية ، الاختصاص بالماشية ، وفرق الشافعي فيما حكاه المزني عنه بين المواشي والزرع بأن الماشية ذات أرواح يخشى من عطشها موتها بخلاف الزرع ، وبهذا أجاب النووي وغيره واستدل لمالك بحديث جابر المتقدم لإطلاقه وعدم تقييده وتعقب بأنه يحمل على المقيد ، وعلى هذا لو لم يكن هناك كلأ يرعى فلا مانع من المنع لانتفاء العلة قال الخطابي : والنهي عند الجمهور للتنزيه وهو محتاج إلى دليل يصرف النهي عن معناه الحقيقي وهو التحريم قال في الفتح : وظاهر الحديث وجوب بذله مجانا ، وبه قال الجمهور وقيل : لصاحبه طلب القيمة من المحتاج إليه كما في طعام المضطر وتعقب بأنه يلزم منه جواز البيع حالة امتناع المحتاج من بذل القيمة ورد بمنع الملازمة فيجوز أن يقال : يجب عليه البذل وتثبت له القيمة في ذمة المبذول له ، فيكون له أخذ القيمة منه متى أمكن ولكنه لا يخفى أن رواية " لا يباع فضل الماء " ورواية " النهي عن بيع فضل الماء " يدلان على تحريم البيع ، ولو جاز له أخذ العوض لجاز له البيع .

                                                                                                                                            قوله : ( نقع البئر ) أي : الماء الفاضل فيها عن حاجة صاحبها وفيه دليل على أنه لا يجوز منع فضل الماء الكائن في البئر كما لا يجوز منع فضل ماء النهر وأنه لا فرق بينهما ، والنقع بفتح النون وسكون القاف بعدها عين مهملة




                                                                                                                                            الخدمات العلمية