الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                المحل الثالث : المنافع . في الجواهر : في السمع والبصر القصاص عند إيضاح الرأس بالسراية ، بأن يقتص منه في الموضحة ، فإن ذهب سمعه وبصره فقد استوفى ، وإلا فعليه دية ما لم يذهب في ماله عند ابن القاسم . وقال أشهب : على عاقلته ، فإن ذهبت عينه من لطمة ونحوها فلا قصاص كالضربة بعصا من غير أن يدمي .

                                                                                                                المحل الرابع : الجراح . وفي الجواهر : القصاص في الموضحة ، وهي التي توضح العظم من الرأس ، أو الجبهة ، وإن كان مثل مدخل إبرة ، وفي الحارصة وهي : شق الجلد ، وفي الدامية وهي : التي تسيل الدم ، والسمحاق وهي : التي تكشف الجلد ، والباضعة وهي : التي تبضع اللحم ، والمتلاحمة وهي : التي تغوص في اللحم غوصا بالغا وتقطعه في عدة مواضع ، والملطاة وهي : التي يبقى بينها [ ص: 328 ] وبين العظم ستر رقيق ، ولا قصاص فيما بعد الموضحة ، من الهاشمة العظم والمنقلة له على خلاف فيها خاصة ، والآمة : وهي البالغة إلى أم الرأس ، والدامغة وهي : الخارجة لخريطة الدماغ ، وفي هاشمة الجسد القصاص إلا المخوف كالفخذ . ولا قود في هاشمة الرأس عند ابن القاسم ; لأنها تعود منقلة . وقال أشهب : فيها القصاص إلا أن تصير منقلة .

                                                                                                                فائدة : في التنبيهات : عند أهل اللغة : أولها : الحارصة بحاء مهملة وصاد مهملة : وهي التي حرصت الجلد أي شقته . وهي الدامية لأنها تدمي . وهي الدامعة بعين مهملة لأن الدم ينبع منها كالدمع . وقيل : الدامية أولا : لأنها تخدش فتدمي ولا تشق جلدا ، ثم الحارصة لأنها شقته ، وقيل : هي السمحاق كأنها جعلت الجلد كسماحيق السحاب ، ثم الدامعة ; لأن دمها أكثر الزمان يقطر كالدمع ، ثم الباضعة : وهي التي أخذت في اللحم وبضعته ، وهي المتلاحمة بعد الباضعة ; لأنها أخذت في اللحم في غير موضع ، ثم الملطاء بكسر الميم ويقال : ملطاة وهي التي قربت من العظم ، بينها وبينه فصيل من اللحم . وقيل : هي السمحاق ، ثم الموضحة ، وهي التي كشفت عن العظم ، ثم الهاشمة التي هشمت العظم ، ثم المنقلة ، وهي التي كسرت العظم فتحتاج إخراج بعض عظامها لإصلاحها ، وتختص بالرأس : المأمولة التي أفضت لأم الدماغ ، وبالجوف : الجائفة التي نفذت إليه ، والقصاص في جميع الجراح ، إلا المنقلة ، والمأمومة ، والجائفة للخطر ، وتوقف مالك في القود في هاشمة الرأس ، وقال : لا أرى هاشمة إلا وهي منقلة .

                                                                                                                [ ص: 329 ] فرع

                                                                                                                في النوادر : قال مالك : إن جرحه عمدا ثم قتله آخر ، فالقتل يأتي على الجراح في رجل أو رجال ، فإن عفي عن دمه أقيد منه من الجراح ، فإن قتل عمدا وجرح آخر خطأ أو قتل أو الخطأ أولا فهو على عاقلته ويقاد منه في العمد ، وإن جرح جماعة ( جرحا وأخذ جرح ذلك الجرح للجميع كالعضو فإن عفا أحدهم فللباقي القصاص . قال مالك : إن ضرب جماعة ) فوجدت موضحة لا يعلم جارحها : فالعقل عليهم كلهم . قال ابن القاسم : [ . . . . ] لا يدرى من شجه ، فإذا حلف حلفوا ما شجوه ، فإن نكلوا أو حلفوا فالعقل عليهم أو بعضهم ، ونكل البعض فالعقل على الناكلين . قال ابن القاسم : ليس له أن يقول : فلان جرحني ، كما يقول : فلان قتلني إلا قوم قد شهد عليهم بالقتال بينهم ، فيظهر بأحدهم جرح ، فيدعي المجروح أن واحدا جرحه فيحلف ويقبض ، فإن وجد به أربع موضحات : قال مالك : يحلف على من يزعم أنه شجه ويستفيد ، وكذلك إن قال : إن واحدا شجها كلها ، وإن لم يحلف فلتجعل الشجاج على جماعتهم . قال المغيرة : إن قال : لا أدري أيهم شجني ، حلف كل منهم أنه ما شجه ، ثم الشجاج بينهم ، ولا قود عليهم ، فإن شهدت بينة أنهما ضرباه ضربتين ، لكل واحد ضربة ، لم يضربه غيرها ، ووجد به موضحة ومنقلة ، سئل : من جرحه الموضحة ؟ ومن جرحه المنقلة ؟ ويقبل مع يمينه ، وإن جهل حلف : ما يدري سبيلا ; فإن ادعى كل واحد الموضحة ونفى المنقلة : حلف وأخذ الموضحة من أيهما شاء [ ص: 330 ] قودا . ومن الآخر نصف عقل منقلة ، ويقبل قول المجروح أبدا إذا ثبت الضرب ، إلا أن يستدل أن الجرح قديم ، وما أشكل يحلف ويقتص منه إن شهد اثنان بالضرب ، وواحد با [ . . . ] قال مالك : إن تراموا فجرح أحدهم ، لا تقبل شهادة بقيتهم أن فلانا جرحه ; لأنهم يدفعون عن أنفسهم ، وعليهم العقل ، وإن قال : جرحني هذا ثلاث جراحات ; فقال : بل جرحتين ، حلف المجروح على الثالثة واقتص منه من الثلاثة ; لاعترافه بأصل الجراح .

                                                                                                                نظائر : قال أبو عمران : أربع عشرة مسألة ، تعتبر فيها السنة : الجرح لا يحكم فيه إلا بعد البرء ، والسنة ، واللقطة ، والعبد الآبق يحبس سنة ثم يباع ، والمجنون ، والمعترض ، والعهدة في الرقيق للأدواء الثلاثة ، والمستحاضة ، والمرتابة ، والمريضة في العدة ، والشفعة عند أشهب ، وابن القاسم يزيد الشهرين ، واليتيمة إذا مكثت سنة في بيت زوجها المشهود عليه بالطلاق إذا أبى أن يحلف حبس سنة ، وحيازة الهبة سنة ثم لا يضر الرد ، والموصى بعتقه وامتنع أهله من بيعه ينتظر سنة ، فإن باعوا عتق بالوصية . قال صاحب التنبيهات : اختلف في الاستيناء بالجراح سنة إذا ظهر برؤها قبلها ، فتأول بعض الشيوخ أنه لا بد من السنة مخافة أن ينتقض حتى يمر عليه الفصول الأربعة ، وقاله ابن شاس ، وقال غيره : خلافه . وهو ظاهر ما في الأصول ، ولا معنى للانتظار بعد البرء ، فإن نفدت السنة ولم يبرأ ؟ ففي الكتاب : ينتظر برؤها بعد السنة ولا قود ولا دية إلا بعد البرء . وقال أشهب : ليس بعد السنة انتظار في الخطأ [ ص: 331 ] ويعقل الجرح بحاله عند تمامها ، ويطالب بما زاد بعد تمامها . قال صاحب النكت : لا بد من السنة وإن برئ قبلها وأمن من الانتفاض ، وقال ( ح ) وأحمد : لا يقتص إلا بعد الاندمال ، وقال ( ش ) : يجوز قبله ، وبنى مالك ومن معه على أصلهم : أن الطرف إذا سرى للنفس يسقط في الطرف القصاص . وعند ( ش ) : لا يسقط ، واستظهرنا نحن بالسنة لاحتمال الانتفاض في أحد الفصول الأربعة . لنا : ( أن رجلا طعن بقرن في رجله فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أقدني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعه حتى يبرأ ، فأعادها عليه مرتين أو ثلاثا ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : حتى يبرأ ، فأقادها منه ، ثم عرج المستقيد فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : برئ صاحبي وعرجت رجلي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا حق لك ) ; ولأنه موجب الجناية فلا يعجل كالدية والأرش ; ولأنه قد سرى للنفس فيئول الحال للقصاص في النفس لا في غيرها . احتجوا بقوله تعالى : ( والجروح قصاص ) والأصل : تعجيل مسببات الأسباب . والجواب : أن القصاص أصله من القص والقصص ، وهو المماثلة بين الشهرين والحكاية والمحكي في القصص ، وذلك معلوم قبل السنة فينتظر .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية