الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب الحمى لدواب بيت المال 2408 - ( عن ابن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع للخيل خيل المسلمين } رواه أحمد والنقيع بالنون : موضع معروف ) [ ص: 368 ]

                                                                                                                                            2409 - ( وعن الصعب بن جثامة { أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع ، وقال : لا حمى إلا لله ولرسوله } رواه أحمد وأبو داود وللبخاري منه : { لا حمى إلا لله ولرسوله ، وقال : بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع ، } وأن عمر حمى سرف والربذة ) .

                                                                                                                                            2410 - ( وعن أسلم مولى عمر أن عمر استعمل مولى له يدعى هنيا على الحمى ، فقال : يا هني اضمم جناحك على المسلمين ، واتق دعوة المظلوم فإن دعوة المظلوم مستجابة ، وأدخل رب الصريمة ورب الغنيمة ، وإياي ، ونعم ابن عوف ونعم ابن عفان ، فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعا إلى نخل وزرع ، ورب الصريمة ورب الغنيمة إن تهلك ماشيتهما يأتني ببنيه يقول : يا أمير المؤمنين : أفتاركهم أنا لا أبا لك ، فالماء والكلأ أيسر علي من الذهب والورق ، وايم الله إنهم ليرون أني قد ظلمتهم إنها لبلادهم قاتلوا عليها في الجاهلية ، وأسلموا عليها في الإسلام ، والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شيئا رواه البخاري )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث ابن عمر أخرجه أيضا ابن حبان ، وحديث الصعب أخرجه أيضا الحاكم قال البيهقي : إن قوله : " حمى النقيع " من قول الزهري وروى الحديث النسائي فذكر الموصول فقط ، أعني قوله : { لا حمى إلا لله ولرسوله } ويؤيد ما قاله البيهقي إن أبا داود أخرجه من حديث ابن وهب عن يونس عن الزهري فذكره ، وقال في آخره : قال ابن شهاب : وبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع وقد وهم الحاكم فزعم أن حديث { لا حمى إلا لله } متفق عليه وهو من أفراد البخاري ، وتبع الحاكم في وهمه أبو الفتح القشيري في الإلمام وابن الرفعة في المطلب وأثر عمر أخرجه أيضا الشافعي عن الدراوردي عن زيد بن أسلم عن أبيه مثله وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري مرسلا

                                                                                                                                            قوله : ( حمى النقيع ) أصل الحمى عند العرب أن الرئيس منهم كان إذا نزل منزلا مخصبا استعوى كلبا على مكان عال ، فإلى حيث انتهى صوته حماه من كل جانب ، فلا يرعى فيه غيره ويرعى هو مع غيره فيما سواه ، والحمى : هو المكان المحمي ، وهو خلاف المباح ، ومعناه أن يمنع من الإحياء في ذلك الموات ليتوفر فيه الكلأ ، وترعاه مواش مخصوصة ويمنع غيرها والنقيع هو بالنون كما ذكر المصنف ، وحكى الخطابي أن بعضهم صحفه فقال بالموحدة ، وهو [ ص: 369 ] على عشرين فرسخا من المدينة ، وقدره ميل في ثمانية أميال ، ذكر ذلك ابن وهب في موطئه ، وأصل النقيع كل موضع يستنقع فيه الماء ، وهذا النقيع المذكور في هذا الحديث غير نقيع الخضمات الذي جمع فيه أسعد بن زرارة بالمدينة على المشهور كما قال الحافظ

                                                                                                                                            وقال ابن الجوزي : إن بعضهم قال : إنهما واحد ، قال ، والأول أصح قوله : ( لا حمى إلا لله ولرسوله ) قال الشافعي : يحتمل معنى الحديث شيئين : أحدهم ليس لأحد أن يحمي للمسلمين إلا ما حماه النبي صلى الله عليه وسلم و الآخر معناه : إلا على مثل ما حماه عليه النبي صلى الله عليه وسلم فعلى الأول ليس لأحد من الولاة بعده أن يحمي " وعلى الثاني يختص الحمى بمن قام مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الخليفة خاصة

                                                                                                                                            قال في الفتح : وأخذ أصحاب الشافعي من هذا أن له في المسألة قولين ، والراجح عندهم الثاني ، والأول أقرب إلى ظاهر اللفظ ا هـ ومن أصحاب الشافعي من ألحق بالخليفة ولاة الأقاليم قال الحافظ : ومحل الجواز مطلقا أن لا يضر بكافة المسلمين ا هـ وظاهر قوله في الحديث الأول للخيل " خيل المسلمين " أنه لا يجوز للإمام على فرض إلحاقه بالنبي صلى الله عليه وسلم أن يحمي لنفسه ، وإلى ذلك ذهب مالك والشافعية والحنفية والهادوية ، قالوا : بل يحمي لخيل المسلمين وسائر أنعامهم ، ولا سيما أنعام من ضعف منهم عن الانتجاع كما فعله عمر في الأثر المذكور وقد ظن بعضهم أن بين الأحاديث القاضية بالمنع من الحمى ، والأحاديث القاضية بجواز الإحياء معارضة ، ومنشأ هذا الظن عدم الفرق بينهما وهو فاسد ، فإن الحمى أخص من الإحياء مطلقا .

                                                                                                                                            قال ابن الجوزي : ليس بين الحديثين معارضة ، فالحمى المنهي عنه ما يحمى من الموات الكثيرة العشب لنفسه خاصة كفعل الجاهلية والإحياء المباح ما لا منفعة للمسلمين فيه شاملة فافترقا قال : وإنما تعد أرض الحمى مواتا لكونها لم يتقدم فيها ملك لأحد ، لكنها تشبه العامرة لما فيها من المنفعة العامة قوله : ( وأن عمر حمى سرف ) لفظ البخاري " الشرف " بالتعريف قال في الفتح : والشرف بفتح المعجمة والراء بعدها فاء في المشهور ، وذكر عياض أنه عند البخاري بفتح المهملة وكسر الراء

                                                                                                                                            وقال في موطإ ابن وهب : بفتح المهملة والراء ، قال : وكذا رواه بعض رواة البخاري أو أصلحه وهو الصواب وأما شرف : فهو موضع بقرب مكة ولا يدخله الألف واللام قوله : ( والربذة ) بفتح الراء والموحدة بعدها ذال معجمة : موضع معروف بين مكة والمدينة وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح " أن عمر حمى الربذة لنعم الصدقة " قوله : ( هنيا ) بضم الهاء وفتح النون وتشديد التحتية قوله : ( الصريمة ) تصغير صرمة وهي ما بين العشرين إلى الثلاثين من الإبل ، أو من العشر إلى الأربعين منها




                                                                                                                                            الخدمات العلمية