الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          181 - مسألة : ومن غسل ميتا متوليا ذلك بنفسه - بصب أو عرك - فعليه أن يغتسل فرضا .

                                                                                                                                                                                          برهان ذلك ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا أحمد بن صالح ثنا ابن أبي فديك حدثني ابن أبي ذئب عن القاسم بن عباس عن عمرو بن عمير عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من غسل الميت فليغتسل ، ومن حمله فليتوضأ } قال أبو داود : وحدثنا حامد بن يحيى عن [ ص: 271 ] سفيان بن عيينة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن إسحاق مولى زائدة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه . وحدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان الأسدي ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة { عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من غسل ميتا فليغتسل ومن حملها فليتوضأ } قال أبو محمد : يعني من حمل الجنازة .

                                                                                                                                                                                          وممن قال بهذا علي بن أبي طالب وغيره ، روينا ذلك من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن هشام الدستوائي عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي عن علي قال : من غسل ميتا فليغتسل ، ومن طريق وكيع عن سعيد بن عبد العزيز التنوخي عن مكحول أن حذيفة سأله رجل مات أبوه ، فقال حذيفة : اغسله فإذا فرغت فاغتسل وعن أبي هريرة - من غسل ميتا فليغتسل ، ومن طريق حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي قال كان أصحاب علي يغتسلون منه . يعني من غسل الميت .

                                                                                                                                                                                          قال علي : وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي وداود : لا يجب الغسل من غسل الميت ، واحتج أصحابنا في ذلك بالأثر الذي فيه { إنما الماء من الماء } .

                                                                                                                                                                                          قال علي : وهذا لا حجة فيه لأن الأمر بالغسل من غسل الميت ومن الإيلاج وإن لم يكن إنزال - هما شرعان زائدان على خبر { الماء من الماء } والزيادة واردة من عند الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فرض الأخذ بها .

                                                                                                                                                                                          واحتج غيرهم في ذلك بأثر رويناه من طريق ابن وهب قال : أخبرني من أثق به يرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا تتنجسوا من موتاكم } وكره ذلك لهم . وعن رجال من أهل العلم عن سعيد وجابر وابن مسعود وابن عباس وابن عمر أنه لا غسل من غسل الميت ، وبحديث رويناه من طريق مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن أسماء بنت عميس غسلت أبا بكر الصديق ، فلما فرغت قالت لمن حضرها من المهاجرين إني صائمة وإن هذا يوم شديد البرد فهل علي من غسل ؟ قالوا : لا ، وعن إبراهيم النخعي : كان ابن مسعود وأصحابه لا يغتسلون من غسل الميت ، وبحديث رويناه من طريق شعبة عن يزيد الرشك عن معاذة العدوية : سئلت [ ص: 272 ] عائشة رضي الله عنها : أيغتسل من غسل المتوفين ؟ قالت لا .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وكل هذا لا حجة لهم فيه ، أما الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي غاية السقوط لأن ابن وهب لم يسم من أخبره ، والمسافة بين ابن وهب وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيدة جدا ، ثم لو صح بنقل الكافة ما كان لهم فيه متعلق ; لأنه ليس فيه إلا أن لا نتنجس من موتانا فقط ، وهذا نص قولنا ، ومعاذ الله أن نكون نتنجس من ميت مسلم ، أو أن يكون المسلم نجسا ، بل هو طاهر حيا وميتا ، وليس الغسل الواجب من غسل الميت لنجاسته أصلا ، لكن كغسل الميت الواجب عندنا وعندهم ، كما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أطهر ولد آدم حيا وميتا ، وغسل أصحابه رضي الله عنهم إذ ماتوا ، وهم الطاهرون الطيبون أحياء وأمواتا ، وكغسل الجمعة ، ولا نجاسة هنالك ، فبطل تمويههم بهذا الخبر .

                                                                                                                                                                                          وأما حديث أسماء فإن عبد الله بن أبي بكر لم يكن ولد يوم مات أبو بكر الصديق نعم ولا أبوه أيضا ، ثم لو صح كل ما ذكروا عن الصحابة لكان قد عارضه ما رويناه من خلاف ذلك عن علي وحذيفة وأبي هريرة ، وإذا وقع التنازع وجب الرد إلى ما افترض الله تعالى الرد إليه ، من كلامه وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم والسنة قد ذكرناها بالإسناد الثابت بإيجاب الغسل من غسل الميت ، وكم قصة خالفوا فيها الجمهور من الصحابة لا يعرف منهم مخالف ، وقد أفردنا لذلك كتابا ضخما ، والعجب من احتجاجهم بقول عائشة وهم قد خالفوها في إيجاب الوضوء مما مست النار وخالفوا علي بن أبي طالب وابن عباس وابن الزبير في إيجاب الغسل على المستحاضة لكل صلاة أو للجمع بين صلاتين ، وعائشة في قولها : تغتسل كل يوم عند صلاة الظهر ، ولا مخالف يعرف لهؤلاء من الصحابة رضي الله عنهم ، ومثل هذا كثير جدا

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية