الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                              قوله تعالى: قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم

                                                                                                                                                                                              قال الله تعالى: قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم

                                                                                                                                                                                              [قال البخاري ] : ومعنى الدعاء في اللغة: الإيمان .

                                                                                                                                                                                              اعلم; أن أصل الدعاء في اللغة: الطلب، فهو استدعاء لما يطلبه الداعي، ويؤثر حصوله .

                                                                                                                                                                                              فتارة يكون الدعاء بالسؤال من الله عز وجل والابتهال إليه، كقول الداعي: اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني .

                                                                                                                                                                                              وتارة يكون بالإتيان بالأسباب التي تقتضي حصول المطالب، وهو الاشتغال بطاعة الله وذكره، وما يجب من عبده أن يفعله، وهذا هو حقيقة الإيمان .

                                                                                                                                                                                              وفي "السنن الأربعة"، عن النعمان بن بشير ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "إن الدعاء هو العبادة، ثم قرأ: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون [ ص: 50 ] عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين (60) " .

                                                                                                                                                                                              فما استجلب العبد من الله ما يحب، واستدفع منه ما يكره، بأعظم من اشتغاله بطاعة الله وعبادته وذكره، وهو حقيقة الإيمان، فإن الله يدفع عن الذين آمنوا .

                                                                                                                                                                                              وفي " الترمذي "، عن أبي سعيد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "يقول الرب عز وجل: من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين " .

                                                                                                                                                                                              وقال بعض التابعين: لو أطعتم الله ما عصاكم .

                                                                                                                                                                                              يعني: ما منعكم شيئا تطلبونه منه .

                                                                                                                                                                                              وكان سفيان يقول: الدعاء ترك الذنوب .

                                                                                                                                                                                              يعني: الاشتغال بالطاعة عن المعصية .

                                                                                                                                                                                              وأما قوله تعالى: ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فيه للمفسرين قولان:

                                                                                                                                                                                              أحدهما: أن المراد: لولا دعاؤكم إياه، فيكون الدعاء بمعنى الطاعة، كما ذكرنا .

                                                                                                                                                                                              والثاني: لولا دعاؤه إياكم إلى طاعته، كما في قوله تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون أي: لأدعوهم إلى عبادتي .

                                                                                                                                                                                              وإنما اختلف المفسرون في ذلك لأن المصدر يضاف إلى الفاعل تارة، وإلى المفعول أخرى .

                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية