الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                فبعد هذا يقع الكلام في مواضع في بيان سبب ثبوته وفي بيان شرائط الثبوت وفي بيان صفة الثابت وكيفيته وفي بيان قدره وفي بيان حكمه وفي بيان ما يظهر له أما .

                                                                                                                                سبب ثبوته فالعتق سواء كان العتق حاصلا بصنعه ، وهو الإعتاق ، أو ما يجري مجرى الإعتاق شرعا كشراء القريب وقبول الهبة والصدقة والوصية أو بغير صنعه بأن ورث قريبه وسواء أعتقه لوجه الله ، أو لوجه الشيطان وسواء أعتقه تطوعا ، أو عن واجب عليه كالإعتاق عن كفارة القتل والظهار والإفطار والإيلاء واليمين والنذر وسواء كان الإعتاق بغير بدل أو ببدل ، وهو الإعتاق على مال وسواء كان منجزا أو معلقا بشرط ، أو مضافا إلى وقت وسواء كان صريحا أو يجري مجرى الصريح أو كناية أو يجري مجرى الكناية .

                                                                                                                                وكذا العتق الحاصل بالتدبير والاستيلاد ويستوي فيه صريح التدبير والإعتاق والاستيلاد والكتابة والأصل فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم { الولاء لمن أعتقه } من غير فصل وعلى هذا إذا أمر المولى غيره بالإعتاق في حال حياته ، أو بعد وفاته أن الولاء للآمر ; لأن العتق يقع عنه ولو قال لآخر أعتق عبدك عني على ألف درهم فأعتق فالولاء للآمر ; لأن العتق يقع عنه استحسانا والقياس أن يكون الولاء للمأمور ; لأن العتق يقع عن المأمور ، وهو قول زفر وجه القياس أنه أمر بإعتاق عبد الغير عن نفسه ، وهذا لا يصح ; لأن العتق لا يقع بدون الملك ولا ملك للآمر ، بل [ ص: 161 ] للمأمور ، فكان العتق عنه ولنا أن الأمر بالفعل أمر بما لا وجود للفعل بدونه كالأمر بصعود السطح يكون أمرا بنصب السلم والأمر بالصلاة يكون أمرا بالطهارة ونحو ذلك ولا وجود للعتق عن الآمر بدون ثبوت الملك ، فكان أمر المالك بإعتاق عبده عنه بالبدل المذكور أمرا بتمليكه منه بذلك البدل ، ثم بإعتاقه عنه تصحيحا لتصرفه كأنه صرح بذلك فقال بعه مني وأعتقه عني ففعل ولو قال أعتق عبدك عني ولم يذكر البدل فأعتق فالولاء للمأمور في قول أبي حنيفة ومحمد ; لأن العتق عنه ، وعند أبي يوسف هذا والأول ، سواء وجه قوله على نحو ما ذكرنا في المسألة الأولى ولهما الفرق بين المسألتين ، وهو أنه في المسألة الأولى أمكن إثبات الملك للآمر بالبدل المذكور بمقتضى الأمر بالإعتاق ; لأن الملك في البيع الصحيح لا يقف على القبض ، بل يثبت بنفس العقد فصار المأمور بائعا عبده منه بالبدل المذكور ، ثم معتقا عنه بأمره وتوكيله وأما في المسألة الثانية فلا يمكن إثبات الملك بالتمليك الثابت بطريق الاقتضاء ; لأن التمليك من غير عوض يكون هبة والملك في باب الهبة لا يثبت بدون القبض ، فإذا أعتق فقد أعتق ملك نفسه لا ملك الآمر فيقع عن نفسه ، فكان الولاية له فهو الفرق .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية