الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم .

                                                                                                                                                                                                                                      في هذه الحرف أربع قراءات سبعية : قرأه عاصم وحده : تظاهرون بضم التاء وتخفيف الظاء بعدها ألف فهاء مكسورة مخففة ، وقرأه حمزة والكسائي : ( تظاهرون ) بفتح التاء بعدها ظاء مفتوحة مخففة ، فألف فهاء مفتوحة مخففة ، وقرأه ابن عامر وحده كقراءة حمزة والكسائي ، إلا أن ابن عامر يشدد الظاء ، وهما يخففانها . وقرأه نافع ، وابن كثير وأبو عمرو : ( تظهرون ) بفتح التاء بعدها ظاء فهاء مفتوحتان مشددتان بدون ألف ، فقوله تعالى : تظاهرون ، على قراءة عاصم مضارع ظاهر بوزن فاعل ، وعلى قراءة حمزة والكسائي ، فهو مضارع تظاهر بوزن تفاعل حذفت فيه إحدى التاءين على حد قوله في " الخلاصة " :


                                                                                                                                                                                                                                      وما بتاءين ابتدى قد يقتصر فيه على تا كتبين العبر



                                                                                                                                                                                                                                      فالأصل على قراءة الأخوين تتظاهرون ، فحذفت إحدى التاءين . وعلى قراءة ابن عامر ، فهو مضارع تظاهر أيضا ، كقراءة حمزة والكسائي ، إلا أن إحدى التاءين أدغمت في الظاء ولم تحذف ، وماضيه اظاهر كـ ادارك [ 27 \ 66 ] ، و اثاقلتم [ 9 \ 38 ] ، و ادارأتم [ 2 \ 72 ] ، بمعنى تدارك ، إلخ .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 189 ] وعلى قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو ، فهو مضارع تظهر على وزن تفعل ، وأصله تتظهرون بتاءين ، فأدغمت إحدى التاءين في الظاء ، وماضيه : اظهر ، نحو : اطيرنا [ 27 \ 47 ] وازينت [ 10 \ 24 ] ، بمعنى : تطيرنا ، وتزينت ; كما قدمنا إيضاحه في سورة " طه " ، في الكلام على قوله تعالى : فإذا هي تلقف ما يأفكون [ 7 \ 117 ] ، فعلم مما ذكرنا أن قولهم ظاهر من امرأته ، وتظاهر منها ، وتظهر منها كلها بمعنى واحد ، وهو أن يقول لها : أنت علي كظهر أمي ، يعني : أنها حرام عليه ، وكانوا يطلقون بهذه الصيغة في الجاهلية .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد بين الله جل وعلا في قوله هنا : وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم ، أن من قال لامرأته : أنت علي كظهر أمي ، لا تكون أما له بذلك ، ولم يزد هنا على ذلك ، ولكنه جل وعلا أوضح هذا في سورة " المجادلة " ، فبين أن أزواجهم اللائي ظاهروا منهن لسن أمهاتهم ، وأن أمهاتهم هن النساء الاتي ولدنهم خاصة دون غيرهن ، وأن قولهم : أنت علي كظهر أمي ، منكر من القول وزور .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد بين الكفارة اللازمة في ذلك عند العود ، وذلك في قوله تعالى : الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم [ 58 \ 2 - 4 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      فقوله تعالى في آية " الأحزاب " هذه : وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم ، كقوله تعالى في سورة " المجادلة " : الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم ، وقد رأيت ما في سورة " المجادلة " ، من الزيادة والإيضاح لما تضمنته آية " الأحزاب " هذه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية