الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          ( ومن عليه حق ) من دين أو عين عارية أو وديعة أو نحوها ( فادعى إنسان أنه وكيل ربه في قبضه أو ) أنه ( وصيه ) أي : وصي ربه ( أو ) أنه ( أحيل به ) أي : الدين من ربه عليه ( فصدقه ) أي : صدق من عليه الحق مدعي الوكالة أو الوصية أو الحوالة ( لم يلزمه ) أي : من عليه الحق ( دفع إليه ) أي : المدعي ; لأنه لا يبرأ به لجواز إنكار رب الحق أو ظهوره حيا في الوصية .

                                                                          ( وإن كذبه ) أي : كذب من عليه الحق المدعي لذلك ( لم يستحلف ) ; لعدم الفائدة إذ لا يقضى عليه بالنكول ( وإن دفعه ) أي : دفع من عليه الحق للمدعي ذلك ( وأنكر صاحبه ) أي : الحق ( ذلك ) أي : الوكالة أو الحوالة ( حلف ) رب الحق أنه لم يوكله ولا أحاله لاحتمال صدق المدعي ( ورجع ) رب الحق ( على دافع ) وحده ( إن كان ) المدفوع ( دينا ) ; لعدم براءته بدفعه لغير ربه ووكيله ; ولأن الذي أخذه مدعي الوكالة أو الحوالة عين مال الدافع في زعم رب الحق فتعين رجوعه على الدافع فإن نكل لم يرجع بشيء .

                                                                          وفي مسألة [ ص: 205 ] الوصية يرجع بظهوره حيا ( و ) رجع ( دافع على مدع ) لوكالة أو حوالة أو وصية بما دفعه ( مع بقائه ) ; لأنه عين ماله ( أو ) يرجع دافع على قابض ببدله مع ( تعديه ) أي : القابض أو تفريطه ( في تلف ) ; لأنه بمنزلة الغاصب فإن تلف بيد مدعي الوكالة بلا تعد ولا تفريط لم يضمنه ولم يرجع عليه دافع بشيء ; لأنه مقر بأنه أمين حيث صدقه في دعواه الوكالة أو الوصية ، ( و ) أما ( مع ) دعوى ( حوالة فيرجع ) دافع على قابض ( مطلقا ) أي : سواء بقي في يده أو تلف بتعد أو تفريط أو لا ; لأنه قبضه لنفسه فقد دخل على أنه مضمون عليه .

                                                                          ( وإن كان ) المدفوع لمدع وكالة أو وصية ( عينا كوديعة ونحوها ) كعارية وغصب ومقبوض على وجه سوم ( ووجدها ) أي : العين ربها بيد القابض أو غيره ( أخذها ) ; لأنها عين حقه ( وإلا ) يجدها ( ضمن أيهما شاء ) ; لأن القابض قبض ما لا يستحقه والدافع تعدى بالدفع إلى من لا يستحقه فتوجهت المطالبة على كل منهما ( ولا يرجع ) الدافع للعين ( بها ) إن ضمنه ربها ( على غير متلف أو مفرط ) ; لاعتراف كل منهما بأن ما أخذه المالك ظلم واعتراف الدافع بأنه لم يحصل من القابض ما يوجب الضمان فلا يرجع عليه بظلم غيره ، هذا كله إذا صدق من عليه الحق المدعي .

                                                                          ( و ) أما ( مع عدم تصديقه فيرجع ) دافع على مدفوع إليه بما دفعه له ( مطلقا ) أي : سواء كان دينا أو عينا بقي أو تلف ; لأنه لم يقر بوكالته ولم تثبت ببينة ومجرد التسلم ليس تصديقا ( وإن ادعى ) شخص ( موته ) أي : رب الحق ( وأنه وارثه لزمه ) أي : من عليه الحق ( دفعه ) أي : الحق لمدعي إرثه ( مع تصديقه ) مدعي الإرث له لإقراره له بالحق وأنه يبرأ بالدفع له أشبه المورث .

                                                                          ( و ) لزمه ( حلفه ) أي : من عليه الحق ( مع إنكاره ) موت رب الحق أو أن الطالب وارثه ; لأن من لزمه الدفع مع الإقرار لزمه اليمين مع الإنكار فيحلف أنه لا يعلم صحة دعواه ونحوه .

                                                                          ( ومن قبل قوله في رد ) كوديع ووكيل ووصي متبرع ( وطلب منه ) الرد ( لزمه ) الرد ( ولا يؤخره ليشهد ) على رب الحق ; لعدم الحاجة إليه لقبول دعواه الرد ( وكذا مستعير ونحوه ) ممن لا يقبل قوله في الرد كمرتهن ووكيل بجعل ومقترض وغاصب ( لا حجة ) أي : لا بينة ( عليه ) فلزمه الدفع بطلب رب الحق ولا يؤخر ليشهد ; لأنه لا ضرر عليه فيه لتمكنه من الجواب بنحو : لا يستحق علي شيئا ويحلف عليه كذلك ( وإلا ) بأن كان عليه بينة بذلك ( أخر ) الرد ليشهد عليه لئلا ينكره القابض فلا يقبل قوله في الرد وإن قال : لا [ ص: 206 ] يستحق علي شيئا قامت عليه البينة ( كدين بحجة ) أي : ببينة فللمدين تأخيره ليشهد لما تقدم ( ولا يلزمه ) أي : رب الحق ( دفعها ) أي : الوثيقة المكتوب فيها الدين ونحوه إلى من كان عليه الحق ; لأنها ملكه فلا يلزمه تسليمها لغيره ( بل ) يلزم رب الحق ( الإشهاد بأخذه ) أي : الحق ; لأن بينة الآخذ تسقط البينة الأولى ( ك ) ما لا يلزم البائع دفع ( حجة ما باعه ) لمشتر لما تقدم قلت : العرف الآن يسلمها له ولو قيل بالعمل به لم يبعد كما في مواضع .

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية