الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
9594 - هلك المتنطعون (حم م د) عن ابن مسعود - (صح)

التالي السابق


(هلك المتنطعون) أي المتعمقون المتقعرون في الكلام، الذين يرومون بجودة سبكه سبي قلوب الناس، يقال: تنطع الرجل في علمه إذا تنطس فيه، قال أوس:


وحشو جفير من فروع غرائب. . . تنطع فيها صانع وتأملا



ذكره الزمخشري قال: وأراد النهي عن التماري والتلاحي في القراءات المختلفة، وأن مرجعها إلى وجه واحد من الحسن والصواب اهـ. وقال النووي: فيه كراهة التقعر في الكلام بالتشدق، وتكلف الفصاحة، واستعمال وحشي اللغة ودقائق الإعراب في مخاطبة العوام ونحوهم اهـ. وقال غيره: المراد بالحديث الغالون في خوضهم فيما لا يعنيهم، وقيل: المتعنتون في السؤال عن عويص المسائل الذي يندر وقوعها، وقيل: الغالون في عبادتهم بحيث تخرج عن قوانين الشريعة، ويسترسل مع الشيطان في الوسوسة

[تنبيه] قال ابن حجر: قال بعض الأئمة: التحقيق أن البحث عما لا يوجد فيه نص قسمان: أحدهما أن يبحث عن دخوله في دلالة النص على اختلاف وجوهها، فهذا مطلوب لا مكروه، بل ربما كان فرضا على من تعين عليه، الثاني أن يدقق النظر في وجوه الفروق، فيفرق بين متماثلين بفرق لا أثر له في الشرع، مع وجود وصف الجمع، أو بالعكس بأن يجمع بين مفترقين بوصف طردي مثلا بهذا الذي ذمه السلف، وعليه ينطبق خبر "هلك المتنطعون"، فرأوا أن فيه تضييع الزمان بما لا طائل تحته، ومثله الإكثار من التفريع على مسألة لا أصل لها في كتاب ولا سنة ولا إجماع، وهي نادرة الوقوع، فيصرف فيها زمنا كان يصرفه في غيرها أولى، سيما إن لزم منه إغفال التوسع في بيان ما يكثر وقوعه، وأشد منه البحث عن أمور معينة ورد الشرع بالإيمان بها مع ترك كيفيتها، ومنها ما لا يكون له شاهد في عالم الحس، كالسؤال عن الساعة، والروح، ومدة هذه الأمة، إلى أمثال ذلك مما لا يعرف إلا بالنقل الصرف، وأكثر ذلك لم يثبت فيه شيء، فيجب الإيمان به بغير بحث، وقال بعضهم: مثال التنطع إكثار السؤال حتى يفضي بالمسؤول إلى الجواب بالمنع بعد أن يفتي بالإذن، كأن يسأل عن السلع التي في الأسواق هل يكره شراؤها ممن بيده قبل البحث عن مصيرها إليه، فيجاب بالجواز، فإن عاد فقال: أخشى أن يكون من نهب أو غصب، ويكون ذلك الزمن وقع فيه شيء من ذلك في الجملة، فيجاب بأنه إن ثبت شيء من ذلك حرم، وإن تردد كره [ ص: 356 ] أو كان خلاف الأولى، ولو سكت السائل عن هذا التنطع لم يزد المفتي على جوابه بالجواز، قال ابن حجر: فمن سد باب المسائل حتى فاته معرفة كثير من الأحكام التي يكثر وقوعها قل فهمه وعلمه، ومن توسع في تفريع المسائل وتوليدها، سيما فيما يقل وقوعها أو يندر فإنه يذم فعله

(حم م) في القدر (د) في السنة (عن ابن مسعود ) قال: قال ذلك ثلاثا، هكذا هو في مسلم .



الخدمات العلمية