الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        المسألة السادسة عشرة

                        [ في أن النقصان من العبادة نسخ ]

                        لا خلاف في أن النقصان من العبادة نسخ لما أسقط منها ; لأنه كان واجبا في جملة العبادة ثم أزيل وجوبه . ولا خلاف أيضا في أن ما لا يتوقف عليه صحة العبادة لا يكون نسخه نسخا لها ، كذا نقل الإجماع الآمدي والفخر الرازي .

                        وأما نسخ ما يتوقف عليه صحة العبادة ، سواء كان جزءا لها ، كالشطر أو خارجا كالشرط ، فاختلفوا فيه على مذاهب .

                        ( الأول ) : أن نسخه لا يكون نسخا للعبادة ، بل يكون بمثابة تخصيص العام ، قال [ ص: 571 ] ابن برهان وهو قول علمائنا .

                        وقال ابن السمعاني : إليه ذهب الجمهور ، من أصحاب الشافعي ، واختاره الفخر الرازي ، والآمدي ، قال الأصفهاني : إنه الحق ، وحكاه صاحب المعتمد عن الكرخي .

                        ( الثاني ) : أنه نسخ للعبادة ، وإليه ذهب الحنفية ، كما حكاه عنهم ابن برهان ، وابن السمعاني .

                        ( الثالث ) : التفصيل بين الشرط ، فلا يكون نسخه نسخا للعبادة ، وبين الجزء كالقيام ، والركوع في الصلاة ، فيكون نسخه نسخا لها ، وإليه ذهب القاضي عبد الجبار ، ووافقه الغزالي ، وصححه القرطبي .

                        قالوا : لأن الشرط خارج عن ماهية المشروط ، بخلاف الجزء ، وهذا في الشرط المتصل ، أما الشرط المنفصل ، فقيل : لا خلاف في أن نسخه ليس بنسخ للعبادة; لأنهما عبادتان منفصلتان .

                        وقيل : إن كان مما لا تجزئ العبادة قبل النسخ إلا به ، فيكون نسخه نسخا لها ، من غير فرق بين الشرط والجزء ، وإن كان مما تجزئ العبادة قبل النسخ بدونه فلا يكون نسخه نسخا لها .

                        وهذا هو المذهب الرابع ، حكاه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في اللمع .

                        احتج القائلون بأنه لا يكون نسخا مطلقا ، من غير فرق بين الشرط والشطر ، بأنهما أمران; فلا يقتضي نسخ أحدهما نسخ الآخر .

                        وأيضا لو كان نسخا للعبادة لافتقرت في وجوبها إلى دليل آخر غير الدليل الأول ، وإنه باطل بالاتفاق .

                        واحتج القائلون بأن نسخ الشطر يقتضي نسخ العبادة ، دون نسخ الشرط ، بأن نقصان الركعة من الصلاة يقتضي رفع وجوب تأخير التشهد ، ورفع إجزائها من دون الركعة; لأن تلك العبادة قبل النسخ كانت غير مجزئة بدون الركعة .

                        وأجيب : بأن للباقي من العبادة أحكاما مغايرة لأحكامها قبل رفع ذلك الشطر ، فكان النسخ مغايرا لنسخ تلك العبادة .

                        [ ص: 572 ] وأيضا الثابت في الباقي هو الوجوب الأصلي ، والزيادة باقية على الجواز الأصلي ، وإنما الزائل وجوبها ، فارتفع حكم شرعي لا إلى حكم شرعي ، فلا يكون ذلك نسخا .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية