الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( الثاني : جزاء الصيد . ، يخير فيه بين المثل ، أو تقويمه بدراهم يشتري بها طعاما ، فيطعم كل مسكين مدا ، أو يصوم عن كل مد يوما ، وإن كان لا مثل له : خير بين الإطعام والصيام ) أي : تقويم المثل بدراهم يشتري بها طعاما ، فيطعم كل مسكين مدا ، أو يصوم عن كل مد يوما ، وإن كان مما لا مثل له خير بين الإطعام والصيام . اعلم أن الصحيح من المذهب : أن كفارة جزاء الصيد على التخيير ، نص عليه ، وعليه الأصحاب . قاله في الفروع وغيره . قال الزركشي : هو المنصوص ، والمختار للأصحاب ، وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع ، والمغني ، والشرح ، والمحرر وغيرهم ، وعنه أن جزاء الصيد على الترتيب فيجب المثل ، فإن لم يجد : لزمه الإطعام فإن لم يجد : صام . نقلها محمد بن الحكم ، فعلى المذهب : يخير بين الثلاثة الأشياء التي ذكرها المصنف ، وهي إخراج المثل ، أو التقويم بطعام ، أو الصيام عنه ، وهذا الصحيح من المذهب ، وعليه الأصحاب ، وعنه الخيرة بين شيئين ، وهي إخراج المثل ، والصيام ، والإطعام فيها . وإنما ذكر في الآية ليعدل به الصيام ; لأن من قدر على الإطعام قدر على الذبح . نقلها الأثرم . وعلى المذهب أيضا : لو أراد الإطعام ، فالصحيح من المذهب وعليه الأصحاب ، ونص عليه أن يقوم المثلي . كما قال المصنف " بدراهم . ويشتري بها طعاما " ، وعنه لا يقوم المثلي ، وإنما يقوم الصيد مكان إتلافه أو بقربه ، وأطلقهما [ ص: 510 ] في الإرشاد ، وحيث قوم المثلي أو الصيد : فإنه يشتري به طعاما للمساكين على الصحيح من المذهب ، وعليه الأصحاب ، وعنه له الصدقة بالدراهم . وليست القيمة مما خير الله [ فيه ] . ذكرها ابن أبي موسى ، وقال المصنف وتبعه الشارح وهل يجوز إخراج القيمة ؟ فيه احتمالان تنبيهات : الأول : التقويم : يكون بالموضع الذي أتلفه فيه وبقربه . نقلها ابن القاسم وسندي ، وجزم به القاضي وغيره ، وقدمه في الفروع ، وجزم غير واحد يقومه بالحرم ; لأنه محل ذبحه . وتقدم رواية أنه يقوم الصيد مكان إتلافه أو بقربه .

الثاني : الطعام هنا : هو الذي يخرج في الفطرة ، وفدية الأدنى على الصحيح من المذهب ، وعليه أكثر الأصحاب ، وقدمه في المغني ، والشرح ، والفروع وغيرهم ، وقيل : يجزئ أيضا كل ما يسمى طعاما ، وهو احتمال في المغني وغيره ، وجزم به القاضي في الخلاف .

الثالث : ظاهر قوله " فيطعم كل مسكين مدا " أنه سواء كان من البر ، أو من غيره ، وكذا هو ظاهر الخرقي ، وأجراه ابن منجى على ظاهره ، وشرح عليه ولم يتعرض إلى غيره ، وقال الشارح : والأولى أنه لا يجزئ من غير البر أقل من نصف صاع ; لأنه لم يرد في الشرع في موضع بأقل من ذلك في طعمة المساكين . قال الزركشي : هذا المنصوص والمشهور ، وجزم به في الرعاية الصغرى ، والحاويين ، والمحرر . قلت : وهو المذهب المنصوص . [ ص: 511 ]

الرابع : ظاهر قوله أيضا " أو يصوم عن كل مد يوما " أنه سواء كان من البر أو من غيره ، وهو ظاهر كلام الخرقي أيضا ، وتابعه في الإرشاد ، والجامع الصغير ، وعقود ابن البنا ، والإيضاح ، وقدمه في التلخيص ، والشرح ، وهو رواية أثبتها بعض الأصحاب ، والصحيح من المذهب ، وعليه أكثر الأصحاب : أنه يصوم عن طعام كل مسكين يوما . قدمه في الفروع ، وجزم به في المحرر ، والرعاية الصغرى ، والحاويين .

فوائد . الأولى : أطلق الإمام أحمد في رواية عنه ، فقال " يصوم عن كل مد يوما " وأطلق في رواية أخرى ، فقال " يصوم عن كل مدين يوما " ، فنقل المصنف في المغني ، والشارح ، وصاحب التلخيص عن القاضي ، أنه قال : المسألة رواية واحدة ، وحمل رواية المد على البر ، ورواية المدين على غيره . قال الزركشي : والذي رأيته في روايتي القاضي : أن حنبلا وابن منصور نقلا عنه " أنه يصوم عن كل نصف صاع يوما " وأن الأثرم نقل في فدية الأذى " عن كل مد يوما ، وعن نصف صاع تمرا أو شعيرا يوما " قال : وهو اختيار الخرقي وأبي بكر . قال : ويمكن أن يحمل قوله " عن كل نصف صاع يوما " على أن نصف الصاع من التمر والشعير ، لا من البر . انتهى . قال الزركشي : وعلى هذا : فإحدى الروايتين مطلقة ، والأخرى مقيدة . لا أن الروايتين مطلقتين ، وإذا يسهل الحمل ، ولذلك قطع أبو البركات وغيره إلى أن عزا ذلك إلى الخرقي ، وفيه نظر . انتهى . وقال في الفروع : فأقر بعض الأصحاب النصين على ظاهرهما ، وحمل بعض الأصحاب ذلك على ما سبق يعني حمل رواية المد على البر ، ورواية المدين على غيره قال : وهو أظهر . انتهى . [ ص: 512 ]

الثانية : لو بقي من الطعام ما لا يعدل يوما : صام عنه يوما ، نص عليه ; لأنه لا يتبعض . الثالثة : لا يجب التتابع في هذا الصيام بلا نزاع أعلمه للآية . الرابعة : لا يجوز أن يصوم عن بعض الجزاء ، ويطعم عن بعضه ، نص عليه ولا أعلم فيه خلافا .

التالي السابق


الخدمات العلمية