الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              فصل

              ومن الفوائد في هذا الأصل أن ينظر إلى كل خارقة صدرت على يدي أحد ; فإن كان لها أصل في كرامات الرسول عليه الصلاة والسلام ومعجزاته ; فهي صحيحة وإن لم يكن لها أصل ، فغير صحيحة ; وإن ظهر ببادئ الرأي أنها كرامة ; إذ ليس كل ما يظهر على يدي الإنسان من الخوارق بكرامة ، بل منها ما يكون كذلك ، ومنها ما لا يكون كذلك .

              وبيان ذلك بالمثال أن أرباب التصريف بالهمم والتقربات بالصناعة الفلكية والأحكام النجومية قد تصدر عنهم أفاعيل خارقة ، وهي كلها ظلمات [ ص: 445 ] بعضها فوق بعض ، ليس لها في الصحة مدخل ، ولا يوجد لها في كرامات النبي - صلى الله عليه وسلم - منبع ; لأنه إن كان ذلك بدعاء مخصوص ، فدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن على تلك النسبة ، ولا تجري فيه تلك الهيئة ، ولا اعتمد على قران في الكواكب ، ولا التمس سعودها أو نحوسها ، بل تحرى مجرد الاعتماد على من إليه يرجع الأمر كله واللجأ إليه ، معرضا عن الكواكب وناهيا عن الاستناد إليها ; إذ قال : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر الحديث ، وإن تحرى وقتا أو دعا [ إلى تحريه ] ; فلسبب بريء من هذا كله ; كحديث التنزل ، وحديث اجتماع الملائكة طرفي النهار ، وأشباه ذلك .

              [ ص: 446 ] والدعاء أيضا عبادة لا يزاد فيها ولا ينقص ، أعني الكيفيات المستفعلة والهيئات المتكلفة التي لم يعهد مثلها فيما تقدم ، وكذلك الأدعية التي لا تجد مساقها في متقدم الزمان ولا متأخره ، ولا مستعمل النبي عليه الصلاة والسلام والسلف الصالح ، والتي روعي فيها طبائع الحروف في زعم أهل الفلسفة ومن نحا نحوهم مما لم يقل به غيرهم ، وإن كان بغير دعاء كتسليط الهمم على الأشياء حتى تنفعل ; فذلك غير ثابت النقل ، ولا تجد له أصلا ، بل أصل ذلك حال حكمي وتدبير فلسفي لا شرعي ، هذا وإن كان الانفعال الخارق حاصلا به ; فليس بدليل على الصحة ، كما أنه قد يتعدى ظاهرا بالقتل والجرح ، بل قد يوصل بالسحر والعين إلى أمثال ذلك ، ولا يكون شاهدا على صحته ، بل هو باطل صرف ، وتعد محض ، وهذا الموضع مزلة قدم للعوام ولكثير من الخواص ، فلتنبه له .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية