الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : كالطود قال : كالجبل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، عن ابن مسعود في قوله : كالطود قال : كالجبل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، عن قتادة قال : الطود الجبل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : وأزلفنا قال : قربنا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن قتادة : وأزلفنا ثم الآخرين قال : هم قوم فرعون، قربهم الله حتى أغرقهم في البحر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ألا أعلمك الكلمات التي قالهن موسى حين انفلق البحر؟» . قلت : بلى . قال : «اللهم لك الحمد، وإليك المشتكى، وبك المستغاث، وأنت المستعان، ولا [ ص: 257 ] حول ولا قوة إلا بالله» . قال ابن مسعود : فما تركتهن منذ سمعتهن من النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام، أن موسى لما انتهى إلى البحر قال : يا من كان قبل كل شيء، والمكون لكل شيء، والكائن بعد كل شيء، أجعل لنا مخرجا . فأوحى الله إليه : أن اضرب بعصاك البحر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : كان البحر ساكنا لا يتحرك، فلما كان ليلة ضربه موسى بالعصا صار يمد ويجزر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قيس بن عباد قال : لما انتهى موسى ببني إسرائيل إلى البحر، قالت بنو إسرائيل لموسى : أين ما وعدتنا؟ هذا البحر بين أيدينا، وهذا فرعون وجنوده قد دهمنا من خلفنا . فقال موسى للبحر : انفرق أبا خالد . فقال : لن أنفرق لك يا موسى، أنا أقدم منك وأشد خلقا . فنودي : أن اضرب بعصاك البحر .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 258 ] وأخرج أبو العباس محمد بن إسحاق السراج في "تاريخه"، وابن عبد البر في "التمهيد"، من طريق يوسف بن مهران، عن ابن عباس قال : كتب صاحب الروم إلى معاوية يسأله عن أفضل الكلام ما هو؟ والثاني، والثالث، والرابع، وعن أكرم الخلق على الله، وأكرم الإماء على الله، وعن أربعة من الخلق لم يركضوا في رحم، وعن قبر سار بصاحبه، وعن المجرة، وعن القوس، وعن مكان طلعت فيه الشمس لم تطلع قبل ذلك ولا بعده، فلما قرأ معاوية الكتاب قال : أخزاه الله، وما علمي ما ههنا! فقيل له : اكتب إلى ابن عباس فسله . فكتب إليه يسأله، فكتب إليه ابن عباس : إن أفضل الكلام لا إله إلا الله، كلمة الإخلاص، لا يقبل عمل إلا بها، والتي تليها سبحان الله وبحمده؛ أحب الكلام إلى الله، والتي تليها الحمد لله؛ كلمة الشكر، والتي تليها الله أكبر؛ فاتحة الصلوات والركوع والسجود، وأكرم الخلق على الله آدم عليه السلام، وأكرم إماء الله مريم، وأما الأربعة التي لم يركضوا في رحم؛ فآدم، وحواء، والكبش الذي فدي به إسماعيل، وعصا موسى؛ حيث ألقاها فصارت ثعبانا مبينا، وأما القبر الذي سار بصاحبه، [ ص: 259 ] فالحوت حين التقم يونس، وأما المجرة فباب السماء، وأما القوس، فإنها أمان لأهل الأرض من الغرق بعد قوم نوح، وأما المكان الذي طلعت فيه الشمس لم تطلع قبله ولا بعده، فالمكان الذي انفرج من البحر لبني إسرائيل . فلما قدم عليه الكتاب، أرسل به إلى صاحب الروم، فقال : لقد علمت أن معاوية لم يكن له بهذا علم، وما أصاب هذا إلا رجل من أهل بيت النبوة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وابن جرير ، عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال : جاء موسى إلى فرعون وعليه جبة من صوف، ومعه عصا، فضحك فرعون، فألقى عصاه، فانطلقت نحوه كأنها عنق بختي، فيها أمثال الرماح تهتز، فجعل فرعون يتأخر وهو على سريره، فقال فرعون : خذها وأسلم، فعادت كما كانت، وعاد فرعون كافرا، فأمر موسى أن يسير إلى البحر، فسار بهم في ستمائة ألف، فلما أتى البحر، أمر البحر إذا ضربه موسى بعصاه أن ينفرج له، فضرب موسى بعصاه البحر، فانفلق منه اثنا عشر طريقا، لكل سبط منهم طريق، وجعل لهم فيها أمثال الكوات ينظر بعضهم إلى بعض . واقبل فرعون في ثمانمائة ألف حتى أشرف على البحر، فلما رآه هابه وهو على حصان له، وعرض له ملك وهو على فرس له أنثى، فلم يملك فرعون فرسه حتى أقحمه، وخرج آخر بني إسرائيل، [ ص: 260 ] وولج أصحاب فرعون حتى إذا صاروا في البحر أمر البحر فأطبق عليهم، فغرق فرعون بأصحابه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : أوحى الله إلى موسى أن أسر بعبادي ليلا إنكم متبعون . فأسرى موسى ببني إسرائيل ليلا، فأتبعهم فرعون في ألف ألف حصان سوى الإناث، وكان موسى في ستمائة ألف، فلما عاينهم فرعون قال : إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حاذرون . فأسرى موسى ببني إسرائيل حتى هجموا على البحر، فالتفتوا فإذا هم برهج دواب فرعون، فقالوا : يا موسى، أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا [الأعراف : 129] . هذا البحر أمامنا، وهذا فرعون قد رهقنا بمن معه . قال : عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون [الأعراف : 129] . فأوحى الله إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر، وأوحى إلى البحر أن اسمع لموسى وأطع إذا ضربك . فبات البحر له أفكل -يعني : رعدة- لا يدري من أي جوانبه يضربه . فقال يوشع لموسى : بماذا أمرت؟ قال : أمرت أن أضرب البحر . قال : فاضربه . [ ص: 261 ] فضرب موسى البحر بعصاه فانفلق، فكان فيه اثنا عشر طريقا، كل طريق كالطود العظيم، فكان لكل سبط منهم طريق يأخذون فيه، فلما أخذوا في الطريق قال بعضهم لبعض : ما لنا لا نرى أصحابنا؟ قالوا لموسى : إن أصحابنا لا نراهم . قال : سيروا فإنهم على طريق مثل طريقكم . قالوا : لن نرضى حتى نراهم . قال موسى : اللهم أعني على أخلاقهم السيئة . فأوحى الله إليه أن قل بعصاك هكذا . وأومأ بيده يديرها على البحر، قال موسى بعصاه على الحيطان هكذا، فصار فيها كوى ينظر بعضهم إلى بعض، فساروا حتى خرجوا من البحر . فلما جاز آخر قوم موسى هجم فرعون على البحر هو وأصحابه، وكان فرعون على فرس أدهم حصان، فلما هجم على البحر هاب الحصان أن يقتحم في البحر، فمثل له جبريل على فرس أنثى، فلما رآها الحصان اقتحم خلفها، وقيل لموسى : واترك البحر رهوا [الدخان : 24] . قال : طرقا على حاله . ودخل فرعون وقومه في البحر، فلما دخل آخر قوم فرعون، وجاز آخر قوم موسى، أطبق البحر على فرعون وقومه فأغرقوا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن مسعود ، أن [ ص: 262 ] موسى حين أسرى ببني إسرائيل بلغ فرعون، فأمر بشاة فذبحت، ثم قال : لا يفرغ من سلخها حتى يجتمع إلي ستمائة ألف من القبط . فانطلق موسى حتى انتهى إلى البحر، فقال له : انفرق . فقال له البحر : لقد استكبرت يا موسى، وهل انفرقت لأحد من ولد آدم؟ ومع موسى رجل على حصان له، فقال : أين أمرت يا نبي الله؟ قال : ما أمرت إلا بهذا الوجه، هذا البحر . فاقتحم فرسه فسبح به، ثم خرج فقال : أين أمرت يا نبي الله؟ قال : ما أمرت إلا بهذا الوجه . قال : والله ما كذبت ولا كذبت، ثم اقتحم الثانية فسبح، ثم خرج، ثم قال : أين أمرت يا نبي الله؟ قال : ما أمرت إلا بهذا الوجه . قال : ما كذبت ولا كذبت، فأوحى الله إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر . فضربه موسى بعصاه فانفلق، فكان فيه اثنا عشر طريقا، لكل سبط طريق يتراءون، فلما خرج أصحاب موسى وتتام أصحاب فرعون التقى البحر عليهم فأغرقهم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 263 ] وأخرج الفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه، عن أبي موسى، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إن موسى لما أراد أن يسير ببني إسرائيل أضل الطريق، فقال لبني إسرائيل : ما هذا؟ فقال له علماء بني إسرائيل : إن يوسف لما حضره الموت، أخذ علينا موثقا ألا نخرج من مصر حتى ننقل تابوته معنا . فقال لهم موسى : أيكم يدري أين قبره؟ فقالوا : ما يعلم أحد مكان قبره إلا عجوز لبني إسرائيل . فأرسل إليها موسى، فقال : دلينا على قبر يوسف . فقالت : لا والله حتى تعطيني حكمي . قال : وما حكمك؟ قالت : أن أكون معك في الجنة . فكأنه ثقل عليه ذلك، فقيل له : أعطها حكمها، فأعطاها حكمها، فانطلقت بهم إلى بحيرة مستنقعة ماء، فقالت لهم : انضبوا عنها الماء . ففعلوا، قالت : احفروا . فحفروا، فاستخرجوا قبر يوسف، فلما احتملوه إذا الطريق مثل ضوء النهار» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عبد الحكم في "فتوح مصر" عن سماك بن حرب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لما أسرى موسى ببني إسرائيل غشيتهم ضبابة حالت بينهم وبين الطريق أن يبصروه، وقيل لموسى : لن تعبر إلا ومعك عظام يوسف . قال : ومن يدري أين موضعها؟ قالوا : ابنته عجوز كبيرة ذاهبة البصر، تركناها [ ص: 264 ] في الديار . فرجع موسى، فلما سمعت حسه قالت : موسى؟ قال : موسى . قالت : ما ردك؟ قال : أمرت أن أحمل عظام يوسف . قالت : ما كنتم لتعبروا إلا وأنا معكم . قال : دليني على عظام يوسف . قالت : لا أفعل إلا أن تعطيني ما سألتك . قال : فلك ما سألت . قالت : خذ بيدي . فأخذ بيدها فانتهت به إلى عمود على شاطئ النيل، في أصله سكة من حديد موتدة، فيها سلسلة، فقالت : إنا كنا دفناه من ذلك الجانب، فأخصب ذلك الجانب، وأجدب ذا الجانب، فحولناه إلى هذا الجانب، فأخصب هذا الجانب، وأجدب ذاك، فلما رأينا ذلك جمعنا عظامه فجعلناها في صندوق من حديد، وألقيناه في وسط النيل، فأخصب الجانبان جميعا . فحمل الصندوق على رقبته، وأخذ بيدها فألحقها بالعسكر، وقال لها : سلي ما شئت . قالت : فإني أسألك أن أكون أنا وأنت في درجة واحدة في الجنة، ويرد علي بصري وشبابي حتى أكون شابة كما كنت . قال : فلك ذلك» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن عكرمة قال : أوصى يوسف : إن جاء نبي من بعدي، فقولوا له : يخرج عظامي من هذه القرية . فلما كان من أمر موسى ما كان يوم فرعون، فمر بالقرية التي فيها قبر يوسف، فسأل عن قبره فلم [ ص: 265 ] يجد أحدا يخبره، فقيل له : ههنا عجوز بقيت من قوم يوسف . فجاءها موسى فقال لها : تدليني على قبر يوسف؟ فقالت : لا أفعل حتى تعطيني ما أشترط عليك . فأوحى الله إلى موسى أن أعطها شرطها . قال لها : وما تريدين؟ قالت : أكون زوجتك في الجنة . فأعطاها، فدلته على قبره . فحفر موسى القبر، ثم بسط رداءه وأخرج عظام يوسف، فجعله في وسط ثوبه، ثم لف الثوب بالعظام، فحمله على يمينه، فقال له : الملك الذي على يمينه : الحمل يحمل على اليمين! قال : صدقت، هو على الشمال، ولكن إنما فعلت ذلك كرامة ليوسف .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عبد الحكم من طريق الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس قال : كان يوسف عليه السلام قد عهد عند موته أن يخرجوا بعظامه معهم من مصر . قال : فتجهز القوم وخرجوا فتحيروا، فقال لهم موسى : إنما تحيركم هذا من أجل عظام يوسف، فمن يدلني عليها؟ فقالت عجوز يقال لها : شارح ابنة أشي بن يعقوب : أنا رأيت عمي يوسف حين دفن، فما تجعل لي إن دللتك عليه؟ قال : حكمك . فدلته عليها، فأخذ عظام يوسف، ثم قال لها : احتكمي . قالت : أكون معك حيث كنت في الجنة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عبد الحكم ، من طريق الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، [ ص: 266 ] أن الله أوحى إلى موسى، أن أسر بعبادي، وكان بنو إسرائيل استعاروا من قوم فرعون حليا وثيابا، وقالوا : إن لنا عيدا نخرج إليه . فخرج بهم موسى ليلا وهم ستمائة ألف وثلاثة آلاف ونيف، فذلك قول فرعون : إن هؤلاء لشرذمة قليلون وخرج فرعون ومقدمته خمسمائة ألف سوى المجنبتين والقلب، فلما انتهى موسى إلى البحر أقبل يوشع بن نون على فرسه، فمشى على الماء، واقتحم غيره خيولهم فرسبوا في الماء، وخرج فرعون في طلبهم حين أصبح وبعدما طلعت الشمس، فذلك قوله : فأتبعوهم مشرقين فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون فدعا موسى ربه، فغشيتهم ضبابة حالت بينهم وبينه، وقيل له : اضرب بعصاك البحر . ففعل، فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم يعني الجبل . فانفلق فيه اثنا عشر طريقا، فقالوا : إنا نخاف أن توحل فيه الخيل . فدعا موسى ربه، فهبت عليهم الصبا، فجف، فقالوا : إنا نخاف أن يغرق منا ولا نشعر . فقال بعصاه فنقب الماء، فجعل بينهم كوى حتى يرى بعضهم بعضا، ثم دخلوا حتى جاوزوا البحر، وأقبل فرعون حتى انتهى إلى الموضع الذي عبر منه موسى وطرقه على حالها، فقال له أدلاؤه : إن موسى قد سحر البحر حتى صار كما ترى . وهو قوله : واترك البحر رهوا [الدخان : 24] . يعني كما هو . فخذ ههنا حتى نلحقهم . وهو مسيرة [ ص: 267 ] ثلاثة أيام في البر . وكان فرعون يومئذ على حصان، فأقبل جبريل على فرس أنثى، في ثلاثة وثلاثين من الملائكة، فتفرقوا في الناس وتقدم جبريل، فسار بين يدي فرعون، وتبعه فرعون، وصاحت الملائكة في الناس : الحقوا الملك، حتى إذا دخل آخرهم ولم يخرج أولهم، التقى البحر عليهم فغرقوا، فسمع بنو إسرائيل وجبة البحر حين التقى، فقالوا : ما هذا؟ قال موسى : غرق فرعون وأصحابه . فرجعوا ينظرون، فألقاهم البحر على الساحل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عبد الحكم ، وعبد بن حميد ، عن مجاهد قال : كان جبريل بين الناس، بين بني إسرائيل وبين آل فرعون، فجعل يقول لبني إسرائيل : ليلحق آخركم . فقالت بنو إسرائيل : ما رأينا سائقا أحسن سياقا من هذا . وقال آل فرعون : ما رأينا وازعا أحسن زعة من هذا . فلما انتهى موسى وبنو إسرائيل إلى البحر قال مؤمن آل فرعون : يا نبي الله، أين أمرت؟ هذا البحر أمامك، وقد غشينا آل فرعون! فقال : أمرت بالبحر . فأقحم مؤمن آل فرعون فرسه فرده التيار، فجعل موسى لا يدري كيف يصنع، وكان الله قد أوحى إلى البحر أن أطع موسى، وآية ذلك إذا ضربك بعصاه . فأوحى الله إلى موسى، أن اضرب بعصاك البحر . فضربه، فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم فدخل [ ص: 268 ] بنو إسرائيل وأتبعهم آل فرعون، فلما خرج آخر بني إسرائيل ودخل آخر آل فرعون، أطبق الله عليهم البحر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال : نزل جبريل يوم غرق فرعون وعليه عمامة سوداء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الخطيب في "المتفق والمفترق" عن أبي الدرداء قال : جعل النبي صلى الله عليه وسلم يصفق بيديه ويعجب من بني إسرائيل وتعنتهم : «لما حضروا البحر وحضرهم عدوهم، جاءوا موسى فقالوا : قد حصرنا العدو فماذا أمرت؟ قال : أن أنزل ههنا، فإما أن يفتح لي ربي ويهزمهم، وإما أن يفرق لي هذا البحر . فانطلق نفر منهم حتى وقعوا في البحر . قال ربك تعالى لموسى : أن اضرب بعصاك البحر، فضربه فتاطط كما يتأطط العرش، ثم ضربه الثانية فمثل ذلك، ثم ضربه الثالثة فانصدع، فقالوا : هذا عن غير سلطان موسى، فأجاز البحر، فلم يسمع بقوم أعظم ذنبا، ولا أسرع توبة منهم» .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 269 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية