الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        إذا عقد الهدنة بشرط أن يردوا من جاءهم منا مرتدا ، ويسلموه إلينا ، لزمهم الوفاء ، فإن امتنعوا ، كانوا ناقضين للعهد ، فإن عقدت بشرط أن لا يردوا من جاءهم ، ففي جوازه قولان ، أظهرهما وأشهرهما : الجواز ، والثاني : المنع ، بل لا بد من استرداده لإقامة حكم المرتدين عليه ، وقال الماوردي : الصحيح عندي صحة الشرط في الرجال دون النساء ، لأن الأبضاع يحتاط لها ، ويحرم على الكافر من المرتدة ما يحرم من المسلمة ، وربما حاول تنزيل القولين على الصنفين ، فإن أبطلنا الشرط وأوجبنا الرد ، فالذي عليهم التمكين والتخلية دون التسليم ، وكذا الحكم لو جرت المهادنة مطلقا من غير تعرض لرد المرتد ، وحيث لا يلزمهم التمكين والتسليم ، يلزمهم مهر من ارتد من نساء المسلمين ، [ ص: 348 ] وقيمة من ارتد من رقيقهم ، ولا يلزمهم غرم من ارتد من الرجال الأحرار ، ولو عاد المرتدون إلينا ، لم نرد المهور ، ونرد القيم ، لأن الرقيق بدفع القيمة يصير ملكا لهم ، والنساء لا يصرن زوجات ، وحيث يجب التمكين دون التسليم تمكنوا ، فلا غرم عليهم ، سواء وصلنا إلى المطلوبين أم لا ، وحيث يجب التسليم يطالبهم به عند الإمكان ، فإن فات التسليم بالموت ، لزمهم الغرم ، وإن هربوا ، نظر إن هربوا قبل القدرة على التسليم ، فلا غرم ، وبعدها يجب الغرم ، وإذا قلنا : لا تسترد المرتدة ، غرم الإمام لزوجها ما أنفق من صداقها ، لأنا بعقد الهدنة حلنا بينه وبينها ، ولولاه ، لقاتلناهم حتى يردوها ، وإن قلنا : تسترد ، فتعذر ذلك فقال الغزالي : نغرم له أيضا ، ويشبه أن يكون الغرم لزوج المرتدة مفرعا على الغرم لزوج المسلمة المهاجرة ، ولم أره مصرحا به ، وقد يشعر كلام الغزالي بخلافه ، ثم لو جاءتهم امرأة منا مرتدة ، وهاجرت إلينا امرأة منهم مسلمة ، وطلبها زوجها ، فلا نغرم له المهر ، بل نقول : هذه بهذه ، ويجعل المهرين قصاصا ، ويدفع الإمام المهر إلى زوج المرتدة ، ويكتب إلى زعيمهم ليدفع مهرها إلى زوج المهاجرة ، هذا إن تساوى القدران ، فإن كان مهر المهاجرة أكثر ، صرفنا مقدار مهر المرتدة منه إلى زوجها والباقي إلى المهاجرة ، وإن كان مهر المرتدة أكثر ، صرفنا مقدار مهر المهاجرة إلى زوجها ، والباقي إلى زوج المرتدة ، وبهذه المقاصة فسر مفسرون قوله تعالى : ( وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا ) .

                                                                                                                                                                        [ ص: 349 ] فصل

                                                                                                                                                                        على الإمام منع من يقصد أهل الهدنة من المسلمين والذميين ، وليس عليه منع الحربيين ، ولا منع بعضهم من بعض لأن الهدنة لمجرد الكف لا للحفظ بخلاف الذمة . ولو أتلف مسلم أو ذمي على مهادن نفسا أو مالا ، ضمنه ، وإن قذفه عزر ، وعليهم بإتلاف مال المسلم الضمان ، وبقتله القصاص ، وبالقذف الحد . ولو أغار أهل الحرب عليهم ، ثم ظفر الإمام بأهل الحرب ، فاستنقذ منهم أموال أهل الهدنة ، لزمه ردها إليهم ، وفي إقامة حد السرقة ، والزنى على المعاهد ، وانتقاض عهده بالسرقة خلاف سبق في آخر الباب الأول من كتاب السرقة ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                                                                        كتاب الصيد والذبائح والضحايا والعقيقة والأطعمة . هذه الكتب تقدمت في آخر العبادات .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية