الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1935 - مسألة : ومن ذلك من قال لامرأته : قد وهبتك لأهلك ؟ فإننا روينا عن علي بن أبي طالب من طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن خلاس بن عمرو أن علي بن أبي طالب قال في المرأة توهب لأهلها : إن قبلوها فواحدة بائنة ، وإن ردوها فواحدة - وهو أحق بها - يعني برجعته . ومن طريق الحجاج بن المنهال نا يزيد بن إبراهيم - هو التستري - نا الحسن - هو البصري - قال : كان رجال من أصحاب رسول الله يقولون : إن وهب امرأته لأهلها فأمسكوها ، فقد بانت منه ، وإن هم ردوها عليه فهي واحدة وهو أحق [ ص: 308 ] بها - وروي هذا القول عن إبراهيم النخعي . وقول آخر - وهو مروي عن علي أيضا - وهو أنه إن قبلوها فهي واحدة ، وإن لم يقبلوها فليس بشيء . ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أشعث عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال - يعني في الموهوبة - : إن قبلوها فواحدة بائنة وإن لم يقبلوها فليس بشيء . وقال عطاء : إن قبلوها فواحدة بائنة وإن لم يقبلوها فليس بشيء . وقول ثالث - كما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن الحسن أن زيد بن ثابت قال : إن قبلوها فهي ثلاث لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، وإن ردوها فواحدة وهو أحق بها - وهذا قول الحسن . وقول رابع - رويناه من طريق سعيد بن منصور عن إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن عبيد الله الكلاعي ، وعبد العزيز بن عبيد الله قال الكلاعي : عن مكحول ، وقال عبد العزيز : عن الشعبي عن مسروق - ثم اتفق مسروق ومكحول فيمن وهب امرأته لأهلها ، قالا جميعا : إن قبلوها فهي طلقة وهو أملك بها ، وإن لم يقبلوها فلا شيء . وروينا هذا أيضا عن الزهري - وهو قول أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه . وقول خامس - كما روينا عن سعيد بن منصور أنا المعتمر بن سليمان التيمي عن منصور عن إبراهيم قال : كان يقال في الموهوبة لأهلها : تطليقة قال سعيد : وأرناه أبو عوانة عن منصور عن إبراهيم بمثله ، وزاد : لا ندري أبائنة أم رجعية . وقول سادس - روي عن ربيعة ، ويحيى بن سعيد ، وأبي الزناد فيمن وهب امرأته لأهلها ؟ قالوا : هي ثلاث قبلوها أو ردوها . وقول سابع - قاله الأوزاعي ، قال : هي طلقة واحدة قبلوها أو ردوها . وقول ثامن - وهو قول الليث بن سعد : من وهب امرأته لأهلها فالقضاء ما قضوا ، فإن كان وهبها لهم - وهو لا ينتظر قضاءهم - فهو طلاق ألبتة . وقول تاسع - رويناه عن مالك ، وهو أنه قال : من وهب امرأته لأهلها فإن كانت [ ص: 309 ] مدخولا بها فهي طالق ثلاثا قبلوها أو لم يقبلوها - وإن كانت غير مدخول بها فهي واحدة فقط - قبلوها أو ردوها . وقول عاشر - رويناه عن الشافعي قال : من وهب امرأته لأهلها فله نيته في الفتيا والقضاء ، فإن قال : لم أنو طلاقا لم يلزمه طلاق ، وإن قال : نويت ثلاثا فهي ثلاث ، وإن قال : نويت اثنتين فهي اثنتان رجعيتان ، وإن قال : نويت واحدة فهي واحدة رجعية . وقول حادي عشر - وهو قول أبي حنيفة ، قال : إن قاله لامرأته : قد وهبتك لأهلك ، أو قال : لأبيك ، أو قال : لأمك ، أو قال : للأزواج ؟ فإن كان هذا في غضب ، أو جوابا لها إذ سألته الطلاق ، ثم قال : لم أنو الطلاق : صدق ولم يلزمه طلاق في الفتيا ، وفي القضاء . وإن قال : نويت بذلك الطلاق - فإن نوى ثلاثا فهي ثلاث ، وإن نوى اثنتين باثنتين ، أو رجعيتين ، أو واحدة بائنة ، أو رجعية ، لم يكن في كل ذلك إلا واحدة بائنة فقط ، لا أكثر . قال : فلو قال لها : وهبتك لخالتك ، أو قال لزيد ، أو لفلان - وذكر أجنبيا فليس ذلك بشيء ، ولا يلزمه بذلك طلاق - سواء نوى بذلك طلاقا ثلاثا أو أقل ; أو لم ينو طلاقا - كان ذلك في غضب أو في جواب سؤالها إياه الطلاق ، أو لم يكن - ولا معنى لحكم أهلها الذين وهبها لهم في ذلك . وقول ثاني عشر - وهو أن كل ذلك باطل لا يلزمه به طلاق أصلا - نواه أو لم ينوه - وهو أبي ثور ، وأبي سليمان ، وأصحابنا . قال أبو محمد : أما قول أبي حنيفة - فآبدة من أوابد الدهر ، وتفريق ما سمع بأسخف منه ، كل ذلك بلا دليل يعقل ، ولا قياس يضبط ، ولا رأي له وجه ، ولا نعلمه عن أحد قبله ، لا سيما إذا أضيف هذا القول إلى قوله الذي ذكرناه في التخيير والتمليك وتلك التفاريق السخيفة . وأما قول مالك بين المدخول بها وغير المدخول بها في التفريق - فما يعلم عن أحد قبله ، وما ندري من أين وقع لهم بالهبة أن تكون طالقا ثلاثا ؟ وقالوا : المدخول بها لا يحرمها إلا الثلاث ؟ فقلنا : وقد يحرمها عندكم الواحدة البائنة . [ ص: 310 ] فإن قالوا : يتزوجها إذا شاء ؟ قلنا : وفي الثلاث يتزوجها بعد زوج ، وكذلك غير المدخول بها يتزوجها في البائنة إن شاء وشاءت ، وهلا حرمتموها في الأبد ، كما فعلتم بالمدخول بها في عدتها ؟ ، . قال أبو محمد : وسائر الأقوال لا نعلم لشيء منها برهانا ، لا قرآنا ، ولا سنة - ولا حجة في سواهما - وما كان هكذا فلا يجوز القول به ، ومن الباطل أن يهب حرة ، أو أمة غيره ؟ فهبته فاسدة ، والفساد لا حكم له إلا بإبطاله ، والتوبة إلى الله عز وجل منه - فصح الذي قلنا وبالله تعالى نتأيد .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية