الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 51 ] مقدمة في علم ناسخ الحديث ومنسوخه

أصل كلمة النسخ - النسخ في اللغة - معنى النسخ في الكتاب والسنة - حد النسخ وشرائطه - الجمع بين الأحاديث المتعارضة - أمارات النسخ - وجوه الترجيح وعددها خمسون وجها .

مقدمة في علم الناسخ والمنسوخ

اعلم أن النسخ له اشتقاق عند أرباب البيان ، وحد عند أصحاب المعاني ، وشرائط عند العالمين بالأحكام .

أما أصله : فالنسخ في اللغة عبارة عن إبطال الشيء وإقامة آخر مقامه .

وقال أبو حاتم : الأصل فيه النسخ ، وهو أن يحول ما في الخلية من العسل والنحل في أخرى ، ومنه نسخ الكتاب ، وفي الحديث : ما من نبوة إلا وتناسختها فترة ثم النسخ في اللغة موضوع بإزاء معنيين :

أحدهما : الزوال على جهة الانعدام .

والثاني : على جهة الانتقال .

أما النسخ بمعنى الإزالة فهو أيضا على نوعين :

نسخ إلى بدل : نحو قولهم : نسخ الشيب الشباب ، نسخت الشمس الظل ، أي : أذهبته وحلت محله .

[ ص: 52 ] ونسخ إلى غير بدل : إنما هو رفع الحكم وإبطاله من غير أن يقيم له بدلا ، يقال : نسخت الريح الآثار ، أي : أبطلتها وأزالتها .

وأما النسخ بمعنى النقل فهو نحو قولك : نسخت الكتاب إذا نقلت ما فيه ، وليس المراد به إعدام ما فيه ، ومنه قوله تعالى : إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون يريد نقله إلى الصحف ، ومن الصحف إلى غيرها ، غير أن المعروف من النسخ في القرآن هو إبطال الحكم مع إثبات الخط ، وكذلك هو في السنة .

أما في الكتاب فهو أن تكون الآية الناسخة والمنسوخة ثابتتين في التلاوة ، إلا أن المنسوخة لا يعمل بها مثل : عدة المتوفى عنها زوجها كانت سنة ؛ لقوله - تبارك وتعالى - : متاعا إلى الحول غير إخراج ، ثم نسخت بأربعة أشهر وعشر في قوله تعالى : يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا .

وأما في السنة فعلى نحو من ذلك أيضا ؛ لأن الغالب أنهم نقلوا المنسوخ كما نقلوا الناسخ .

وأما حده فمنهم من قال : إنه بيان انتهاء مدة العبادة ، وقيل : بيان انقضاء مدة العبادة التي ظاهرها الدوام ، وقال بعضهم : إنه رفع الحكم بعد ثبوته .

وقد أطبق المتأخرون على ما ذكره القاضي : أنه الخطاب الدال على [ ص: 53 ] ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتا به مع تراخيه عنه ، وهذا حد صحيح .

التالي السابق


الخدمات العلمية