الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا أبو مصعب ) : بصيغة المفعول ، وثقه ابن معين ، وروى عنه أبو داود والترمذي والنسائي ، وليس له في هذا الكتاب سوى هذا الحديث . ( المديني ) : وفي نسخة " المدني " وهو القياس في النسبة بالحذف ، ومن أثبتها فهو على الأصل كما قاله النووي ، وفي الصحاح : النسبة لطيبة مدني ولمدينة المنصور - يعني بغداد - مديني ولمداين كسرى مدايني ، وعلى هذا فالمديني هنا لا يصح لأنه من طيبة ، وقال البخاري : المديني : من أقام بطيبة ، والمدني : من أقام بها ثم فارقها ، وعلى ما ذكره يصح ذلك ، وقيل : المدني نسبة إلى المدينة ، والمديني إلى مدينة بغداد . ( أنا ) : أي أخبرنا . ( يوسف بن الماجشون ) : بكسر الجيم وضم الشين وبكسر النون ، في الأصول المصححة ، وكذا ضبطه السمعاني ، وفي القاموس بضم الجيم ، وأما قول ابن حجر : بفتح الجيم فلا أصل له ، أخرج حديثه الشيخان وغيرهما ، وفي الأنساب للسمعاني : وإنما قيل له الماجشون لحمرة خديه وهذه لغة أهل المدينة ، وقال أبو حاتم : الماجشون المورد ، وفي القاموس : لقب ، معرب ماه كون ، ولا يبعد أن يكون معرب مي كون فانصرافه بالتعريف . ( عن أبيه ) : يريد به جده الأعلى الذي نسب إليه في قوله ابن الماجشون ; لأنه يوسف بن يعقوب بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون . ( عن عاصم بن عمر بن قتادة ) : بفتح القاف ، مدني أوسي أنصاري ، ثقة ، عالم بالمغازي ، أخرج حديثه الأئمة الستة . ( عن جدته رميثة ) : بضم الراء وفتح الميم وسكون الياء بعدها مثلثة ، صحابية لها حديثان ثانيهما في صلاة الضحى رواية عن عائشة . ( قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : أي كلامه . ( ولو أشاء ) : أي لو أردت . ( أن أقبل الخاتم ) : بالوجهين . ( الذي بين كتفيه من قربه ) : " من " تعليلية معمول ( لفعلت ) قدم عليه للاهتمام وبيان الاختصاص ; أي لأجل قربه صلى الله عليه وسلم أو لقرب الخاتم الذي بين كتفيه ، وهو أقرب وأنسب لئلا يفوت إفادتها أنها كانت في جانب الخاتم . ( لفعلت ) : جواب " ولو " وهو يدل على كمال مباسطتها وخصوصيتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهاية تواضعه وحسن معاشرته ولطف خلقه مع أمته [ ص: 74 ] لا سيما العجائز والمساكين . ( يقول ) : بدل اشتمال من مفعول " سمعت " أو جملة حالية تبين المفعول المقدر المذكور ، وأتي به مضارعا بعد " سمع " الماضي إما حكاية لحاله وقت السماع أو لإحضار ذلك في ذهن السامع ، وقيل : حال من فاعل " سمعت " أو من مفعوله ، واختارت المضارع لفظا ليتوافق المشيئة ومفعولها لفظا كما توافقا معنى والواو للحال ، وقيل : " سمعت " يتعدى لمفعولين فلا محذوف ، واختاره العصام وقال : الجملة معترضة بين مفعولي سمعت أو حال من المفعول دون الفاعل ; لأنها لو كانت حالا منه لذكرتها بجنبه لمكان الالتباس فلا يلتفت إليه ، وإن ذكرها بعض الناس ، وقال ميرك : حال من فاعل " سمعت " وجعله حالا من مفعول " سمعت " مما لا يقبله الذوق السليم ، ولعله لتقديم " أشاء " وأقبل المناسب للفاعل ، والحق أن كلاهما جائز ولا منع من الجمع . ( لسعد بن معاذ ) : أي في شأنه أو لأجله أو عنه لقوله تعالى : ( وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه ) ، والحاصل أن اللام ليست للمشافهة لتحقق موت سعد ، وهو سيد الأنصار ، أسلم بالمدينة بين العقبة الأولى والثانية على يدي مصعب بن عمير ، وأسلم بإسلامه بنو عبد الأشهل ، ودارهم أول دار أسلمت من الأنصار ، وكان مقدما مطاعا في قومه ، شهد بدرا ، وثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم في أحد ، ورمي يوم الخندق في أكحله فلم يرقأ الدم حتى مات بعد شهر وذلك في ذي القعدة سنة خمس وهو ابن سبع وثلاثين سنة ، ودفن بالبقيع ، وروى عنه عبد الله بن مسعود وعائشة وغيرهما ، وحضر جنازته سبعون ألف ملك . ( يوم مات ) : ظرف ليقول ، فيكون من كلاهما وهو الظاهر ، ويحتمل أن يكون من كلامه صلى الله عليه وسلم فيكون ظرفا لقوله . ( اهتز ) : أي تحرك . ( له ) : أي لأجل موت سعد ، وفي رواية : " لها " أي : لروحه فإنه يذكر ويؤنث ، فاندفع ما قال العصام أي لجنازته ، وفيه مزيد شاهد على حمل العرش على الجنازة كيف وقد ثبت في الصحيح : " عرش الرحمن " ، وأيضا لا فضيلة في تحرك العرش لسعد مع أن المقصود بيان فضله كما يعلم من سائر الأحاديث في حقه . ( عرش الرحمن ) : رواه الشيخان أيضا ، قيل : يحتمل أن تكون حركته لغاية ارتياحه بمواصلة روحه إليه أو لغاية حزنه بفراقه عليه ، ولا استبعاد في ارتياحه ما لا روح له وحزنه كما لا استبعاد في تكلم الجماد من تسبيح الحصى وحنين الجذع ونحوهما ; لأن مبنى أمور الآخرة على خرق العادة ، ولقوله تعالى في حق الجمادات في الدنيا : ( وإن منها ) أي من الحجارة ( لما يهبط من خشية الله ) ، ويدل عليه حديث ابن عمر بلفظ " اهتز [ ص: 75 ] العرش فرحا " ، أخرجه الحاكم وتأوله فقال : " اهتز العرش فرحا بلقاء الله تعالى سعدا " ، واختاره العسقلاني ، وقال النووي : وهذا القول هو ظاهر الحديث وهو المختار ، ويحتمل أن يراد حركة أهل العرش من الملائكة واستبشارهم بقدوم روحه ، فيكون من باب حذف المضاف أو إطلاق اسم المحل على الحال كقوله : ( واسأل القرية ) ، ويؤيده ما أخرجه الحاكم أن جبريل قال : " من هذا الميت الذي فتحت له أبواب السماء واستبشر به أهلها وحركتهم " إما لما ذكرناه أو للنزول على وجه الأرض ليصلوا عليه ، ويؤيده ما رواه النسائي عن ابن عمر : هذا الذي تحرك له العرش وفتحت له أبواب السماء وشهده سبعون ألفا ، لقد ضم ضمة ثم فرج عنه ، ويقويه ما صححه الترمذي من حديث أنس أنه قال : لما حملت جنازة سعد بن معاذ قال المنافقون : ما أخف جنازته ! ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الملائكة تحمله " ، وقيل اهتزاز العرش : حركته ، وجعل علامة للملائكة على موته لعلو شأنه وسمو مكانه ، وقيل : هو كناية عن تعظيم شأن وفاته ، والعرب تنسب الشيء المعظم إلى أعظم الأشياء فيقول : أظلمت الأرض لموت فلان ، وقامت القيامة له ، ولا يخفى أنه بعيد عن قصد الشارع وإن قال الحنفي : إنه كلام حسن ، وقيل : الاهتزاز في الأصل الحركة لكنه أريد به الارتياح كناية أي ارتاح بروحه حين صعد به لكرامته على ربه فيكون من قبيل حديث : " أحد جبل يحبنا ونحبه " ، ووقع في بعض طرق الحديث بلفظ " اهتز العرش لموت سعد بن معاذ " ، وروي عن البراء بن عازب أنه تأوله بالسرير الذي حمل عليه سعد ، يعني جنازته ونعشه ، فروى البخاري في صحيحه هذا الحديث عن جابر ، وفيه قال رجل لجابر : فإن البراء يقول اهتز السرير فقال جابر : إنه بين الحيين ضغائن ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ " ، قال الخطابي : إنما قال ذلك جابر لأن سعد بن معاذ كان من الأوس والبراء من الخزرج ، والخزرج لا يقول للأوس بالفضل ، قال العسقلاني : هذا خطأ فاحش ، فإن البراء أيضا أوسي ، وإنما قال جابر ذلك إظهارا للحق واعترافا بالفضل لأهله فكأنه تعجب من البراء كيف قال ذلك مع أنه أوسي ، ثم قال : وأنا وإن كنت خزرجيا وكان بين الأوس والخزرج ما كان لم يمنعني من ذلك أن أقول الحق ، فذكر الحديث بلفظ " اهتز عرش الرحمن " بإضافة العرش إلى الرحمن ، والعذر للبراء أنه لم يقصد تغطية فضل سعد وإنما بلغ الحديث إليه بلفظ " اهتز العرش " وفهم منه ذلك فجزم به وهذا هو الذي يليق أن يظن به لا كما فهمه الخطابي أنه قال للعصبية لما بين الحيين من الضغائن ، وقد تأوله ابن عمر أيضا بمثل ما تأوله البراء ، وقد صح عن ابن عمر أنه رجع عن ذلك وجزم بأنه اهتز له عرش الرحمن ، وقد جاء حديث " اهتز العرش لموت سعد " عن عشرة من الصحابة ، قال الحاكم : الأحاديث المصرحة باهتزاز عرش الرحمن مخرجة في الصحيحين وليس لمعارضها ذكر في الصحيح .

التالي السابق


الخدمات العلمية