الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني مالك عن ابن شهاب عن القاسم بن محمد أنه قال سمعت رجلا يسأل عبد الله بن عباس عن الأنفال فقال ابن عباس الفرس من النفل والسلب من النفل قال ثم عاد الرجل لمسألته فقال ابن عباس ذلك أيضا ثم قال الرجل الأنفال التي قال الله في كتابه ما هي قال القاسم فلم يزل يسأله حتى كاد أن يحرجه ثم قال ابن عباس أتدرون ما مثل هذا مثل صبيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب .

                                                                                                          قال وسئل مالك عمن قتل قتيلا من العدو أيكون له سلبه بغير إذن الإمام قال لا يكون ذلك لأحد بغير إذن الإمام ولا يكون ذلك من الإمام إلا على وجه الاجتهاد ولم يبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قتل قتيلا فله سلبه إلا يوم حنين

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          991 975 - ( مالك عن ابن شهاب عن القاسم بن محمد ) بن الصديق ( أنه قال : سمعت رجلا ) لم يسم ( يسأل عبد الله بن عباس عن الأنفال فقال ابن عباس : الفرس من النفل والسلب من النفل ، قال ) القاسم ( ثم عاد ) الرجل ( لمسألته ) كأنه لم يرض الجواب ( فقال ابن عباس ذلك أيضا ، ثم قال الرجل : الأنفال الذي قال الله في كتابه ) ( يسألونك عن الأنفال ) ( ما هي ) لأن جوابك مجمل .

                                                                                                          وقد روى أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم عن ابن عباس : " أن المشيخة يوم بدر ثبتوا تحت الرايات وأما الشبان فسارعوا إلى القتل والغنائم فقالت المشيخة للشبان : أشركونا معكم كنا لكم ردءا ولو كان منكم شيء للجأتم إلينا [ ص: 37 ] فاختصموا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلت : ( يسألونك عن الأنفال ) ( سورة الأنفال : الآية 1 ) الآية فقسم - صلى الله عليه وسلم - الغنائم بينهم على السواء " ولابن جرير عن مجاهد ، أنهم سألوه - صلى الله عليه وسلم - عن الخمس بعد الأربعة الأخماس فنزلت الآية .

                                                                                                          فهذا ابن عباس نفسه روى أن المراد بالأنفال في الآية الغنائم ولكنه لم يفصح للرجل بذلك لأنه رآه متعنتا .

                                                                                                          ( قال القاسم : فلم يزل يسأله حتى كاد ) قارب ( أن يحرجه ) بضم الياء وإسكان المهملة وكسر الراء وفتح الجيم أي يضيق عليه وسقطت أن في رواية وهو أفصح ( ثم قال ابن عباس : أتدرون ما مثل هذا ) أي صفته ( مثل صبيغ ) بصاد مهملة فموحدة فتحتية فغين معجمة بوزن عظيم ابن عسل بكسر العين وإسكان السين المهملتين ويقال بالتصغير ويقال ابن سهل التميمي الحنظلي له إدراك ومثله به لأنه رآه مصغ للعلم فأشار إلى أنه حقيق أن يصنع به مثل صبيغ ( الذي ضربه عمر بن الخطاب ) أخرج إسماعيل بن إسحاق القاضي ، ثنا ابن أبي أويس ، ثنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب أنه سأل رجلا قدم من الشام عن الناس فقال : إن فيها رجلا يسأل عن متشابه القرآن يقال له صبيغ يريد قدوم المدينة ، فقال عمر : لئن لم تأتني به لأفعلن بك ، فجعل الرجل يختلف إلى الثنية يسأل عن صبيغ حتى طلع بعير وقد لهج بأن يقول من يلبس الفقه بفقهه إليه ، فانتزع الرجل خطاما من يده حتى أتى به عمر فضربه ضربا شديدا ثم حبسه ثم ضربه أيضا فقال صبيغ : إن كنت تريد قتلي فأجهز علي وإن كنت تريد شفاي فقد شفيتني شفاك الله فأرسله عمر .

                                                                                                          وروى الدارمي عن سليمان بن يسار ونافع قالا : " قدم المدينة رجل فجعل يسأل عن متشابه القرآن فأرسل إليه عمر وأعد له عراجين النخل فقال : من أنت ؟ قال : أنا عبد الله صبيغ ، قال : وأنا عبد الله عمر ، فضربه حتى دمي رأسه فقال : حسبك يا أمير المؤمنين قد ذهب الذي كنت أجده في رأسي ثم نفاه إلى البصرة " ورواه الخطيب وابن عساكر عن أنس والسائب بن يزيد وأبي عثمان النهدي وزادوا عن الثالث وكتب إلينا عمر : لا تجالسوه فلو جاء ونحن مائة لتفرقنا .

                                                                                                          وروى إسماعيل القاضي عن محمد بن سيرين قال : كتب عمر إلى أبي موسى لا تجالس صبيغا وأحرمه عطاءه .

                                                                                                          وأخرج ابن الأنباري وغيره بسند صحيح عن السائب بن يزيد قال : جاء صبيغ التميمي إلى عمر فسأله عن الذاريات الحديث وفيه : فأمر عمر فضرب مائة سوط فلما برأ دعاه فضربه مائة أخرى ثم حمله على قتب وكتب إلى أبي موسى : حرم على الناس مجالسته ، فلم يزل كذلك حتى أتى أبا موسى فحلف له أنه لا يجد في نفسه شيئا فكتب إلى عمر أنه صلح حاله فكتب إليه خل بينه وبين الناس فلم يزل صبيغ وضيعا في قومه بعد أن كان سيدا فيهم .

                                                                                                          قال العسكري : اتهمه عمر برأي الخوارج .

                                                                                                          وذكر ابن دريد [ ص: 38 ] أنه كان أحمق وأنه وفد على معاوية .

                                                                                                          قال أبو عمر : كان صبيغ من الخوارج في مذاهبهم قال : وإنما أتى مالك بحديث ابن عباس بعد حديث أبي قتادة تفسيرا للسلب لأن سلب قتيله كان درعا وزاد ابن عباس من قوله الفرس ، وفي رواية غير مالك والرمح وذلك كله آلات المقاتل لا ذهب وفضة لأنهما ليسا من آلاته .

                                                                                                          ( سئل مالك عمن قتل قتيلا من العدو أيكون له سلبه بغير إذن الإمام ؟ فقال : لا يكون ذلك لأحد بغير إذن الإمام ) أي أمير الجيش ( ولا يكون ذلك من الإمام إلا على وجه الاجتهاد ) منه بما يراه مصلحة ، ووافقه على ذلك أبو حنيفة وطائفة .

                                                                                                          وعن مالك أيضا : يخير الإمام بين أن يعطيه السلب أو يخمسه واختاره إسماعيل القاضي .

                                                                                                          وعن مكحول والثوري والشافعي يخمس مطلقا لعموم قوله : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ) ( سورة الأنفال : الآية 41 ) ولم يستثن شيئا .

                                                                                                          وذهب الجمهور إلى أن القاتل يستحق السلب سواء قال أمير الجيش من قتل قتيلا فله سلبه أو لا .

                                                                                                          وأجابوا عن عموم الآية بأنه مخصوص بحديث من قتل قتيلا . . . إلخ ، وتعقب بقوله : ( ولم يبلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من قتل قتيلا فله سلبه إلا يوم حنين ) وهي آخر مغازيه التي وقع فيها قتال وغنيمة .

                                                                                                          وأجيب بأن ذلك حفظ عنه - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر كما في الصحيحين أنه قضى بسلب أبي جهل لمعاذ بن عمرو بن الجموح .

                                                                                                          وعند البيهقي أن حاطب بن أبي بلتعة قتل رجلا يوم أحد فسلم له النبي - صلى الله عليه وسلم - سلبه .

                                                                                                          وحديث جابر أن عقيل بن أبي طالب قتل يوم مؤتة رجلا فنفله النبي - صلى الله عليه وسلم - سلبه .

                                                                                                          ثم كان ذلك مقررا عند الصحابة كما في مسلم عن عوف بن مالك وإنكاره على خالد بن الوليد أخذ السلب من القاتل .

                                                                                                          وروى الحاكم والبيهقي بإسناد صحيح عن سعد بن أبي وقاص : أن عبد الله بن جحش قال له يوم أحد : تعال بنا ندعو فقال سعد : اللهم ارزقني رجلا شديدا بأسه فأقاتله ويقاتلني ثم ارزقني عليه الظفر حتى أقتله وآخذ سلبه " الحديث .

                                                                                                          وفي مغازي ابن إسحاق : " أن عمر قال لعلي لما قتل عمرو بن عبد ود : هلا استلبت درعه فإنه ليس للعرب خير منها ؟ فقال إنه اتقاني بسوءته " ولأحمد بإسناد قوي عن عبد الله بن الزبير قال : كانت صفية في حصن حسان يوم الخندق فذكر الحديث في قصة قتلها اليهودي وقولها لحسان انزل فاسلبه من حاجة كذا في فتح الباري وليس في هذا كله أنه قال من قتل قتيلا فله سلبه قبل يوم حنين وإعطاؤه السلب في هذه المواطن لأنه للإمام يجتهد فيه بما شاء ، وإنما قال ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين بعد انقضاء القتال كما هو صريح حديث أبي قتادة ، ولذا قال مالك في المدونة : يكره أن يقول الإمام [ ص: 39 ] ذلك قبل انقضاء القتال لئلا تضعف نيات المجاهدين .

                                                                                                          واختلف في أن الكراهة على بابها أو على التحريم وإذا قاله قبله أو في أثنائه استحقه القاتل ، وعن الحنفية لا كراهة في ذلك .




                                                                                                          الخدمات العلمية