الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون

                                                                                                                                                                                                القائلون : هم الملائكة ، والأنبياء . والمؤمنون في كتاب الله في اللوح . أو في علم الله وقضائه . أو فيما كتبه ، أي : أوجبه بحكمته . ردوا ما قالوه وحلفوا عليه ، وأطلعوهم على الحقيقة ثم وصلوا ذلك بتقريعهم على إنكار البعث بقولهم : فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون أنه حق لتفريطكم في طلب الحق واتباعه . فإن قلت : ما هذه الفاء ؟ وما حقيقتها ؟ قلت : هي التي في قوله [من الهزج ] :


                                                                                                                                                                                                فقد جئنا خراسانا



                                                                                                                                                                                                وحقيقتها : أنها جواب شرط يدل عليه الكلام . كأنه قال : إن صح ما قلتم من أن خراسان أقصى ما يراد بنا فقد جئنا خراسان ، وآن لنا أن نخلص ، وكذلك إن كنتم منكرين البعث فهذا يوم البعث ، أي فقد تبين بطلان قولكم . وقرأ الحسن يوم البعث ، بالتحريك لا ينفع قرئ بالياء والتاء "يستعتبون" من قولك : استعتبني فلان فأعتبته . أي : استرضاني فأرضيته . وذلك إذا كنت جانيا عليه . وحقيقة أعتبته : أزلت عتبه ؛ ألا ترى إلى [ ص: 589 ] قوله [من الكامل ] :


                                                                                                                                                                                                غضبت تميم أن تقتل عامر . . .     يوم النسار فأعتبوا بالصيلم



                                                                                                                                                                                                كيف جعلهم غضابا ، ثم قال : فأعتبوا ، أي : أزيل غضبهم . والغضب في معنى العتب . والمعنى : لا يقال لهم أرضوا ربكم بتوبة وطاعة ، ومثله قوله تعالى : لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون [الجاثية : 35 ] . فإن قلت : كيف جعلوا غير مستعتبين في بعض الآيات ، وغير معتبين في بعضها ، وهو قوله : وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين ؟ قلت : أما كونهم غير مستعتبين : فهذا معناه . وأما كونهم غير معتبين ، فمعناه : أنهم غير راضين بما هم فيه ، فشبهت حالهم بحال قوم جني عليهم ، فهم عاتبون على الجاني غير راضين عنه ، فإن يستعتبوا الله : أي يسألوه إزالة ما هم فيه ، فما هم من المجابين إلى إزالته .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية