الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            كتاب الصداق باب جواز التزويج على القليل والكثير واستحباب القصد فيه [ ص: 197 ] عن عامر بن ربيعة : { أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرضيت من نفسك ومالك بنعلين ؟ قالت : نعم ، فأجازه } . رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه ) .

                                                                                                                                            2730 - ( وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لو أن رجلا أعطى امرأة صداقا ملء يديه طعاما كانت له حلالا } رواه أحمد وأبو داود بمعناه ) .

                                                                                                                                            2731 - ( وعن أنس : { أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة ، فقال : ما هذا ؟ قال : تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب ، قال : بارك الله لك ، أولم ولو بشاة } رواه الجماعة ولم يذكر فيه أبو داود : بارك الله لك ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث عامر بن ربيعة قال الحافظ في بلوغ المرام بعد أن حكى تصحيح الترمذي له : إنه خولف في ذلك . وحديث جابر في إسناده موسى بن مسلم وهو ضعيف ، هكذا في مختصر المنذري . وقال في التلخيص : في إسناده مسلم بن رومان وهو ضعيف انتهى . قال أبو داود : إن بعضهم رواه موقوفا . قال : ورواه أبو عاصم عن صالح بن رومان عن أبي الزبير عن جابر قال : " كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نستمتع بالقبضة من الطعام " على معنى المتعة ، قال : ورواه ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر على معنى أبي عاصم . وهذا الذي ذكره أبو داود معلقا قد أخرجه مسلم في صحيحه من حديث ابن جريج عن أبي الزبير قال : سمعت { جابرا يقول : كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم } قال أبو بكر البيهقي : وهذا وإن كان في نكاح المتعة ونكاح المتعة صار منسوخا ، فإنما فسخ منه شرط الأجل ، فأما ما يجعلونه صداقا فإنه لم يرد فيه نسخ [ ص: 198 ]

                                                                                                                                            قوله : { وزن نواة من ذهب } في رواية للبخاري : " نواة من ذهب " ورجحها الداودي واستنكر رواية من روى وزن نواة . قال الحافظ : واستنكاره المنكر ; لأن الذين جزموا بذلك أئمة حفاظ قال عياض : لا وهم في الرواية لأنها إن كانت نواة تمر أو غيره ، أو كان للنواة قدر معلوم صح أن يقال في كل ذلك وزن نواة ، فقيل : المراد واحدة نوى التمر ، وإن القيمة عنها يومئذ كانت خمسة دراهم . وقيل : كان قدرها يومئذ ربع دينار . ورد بأن نوى التمر يختلف في الوزن فكيف يجعل معيارا لما يوزن به . وقيل : لفظ النواة من ذهب عبارة عما قيمته خمسة دراهم من الورق ، وجزم به الخطابي واختاره الأزهري ونقله عياض عن أكثر العلماء .

                                                                                                                                            ويؤيده أن في رواية للبيهقي : وزن نواة من ذهب قومت خمسة دراهم . وقيل : وزنها من الذهب خمسة دراهم ، حكاه ابن قتيبة وجزم به ابن فارس وجعله البيضاوي الظاهر . ووقع في رواية للبيهقي : قومت ثلاثة دراهم وثلثا ، وإسناده ضعيف ولكن جزم به أحمد ، وقيل : ثلاثة ونصف ، وقيل : ثلاثة وربع . وعن بعض المالكية : النواة عند أهل المدينة ربع دينار . ووقع في رواية للطبراني : قال أنس : حزرناها ربع دينار . وقال الشافعي : النواة : ربع النش ، والنش : نصف أوقية ، والأوقية : أربعون درهما

                                                                                                                                            فتكون خمسة دراهم . وكذا قال أبو عبيد : إن عبد الرحمن دفع خمسة دراهم وهي تسمى نواة كما تسمى الأربعون : أوقية ، وبه جزم أبو عوانة وآخرون . والأحاديث المذكورة تدل على أنه يجوز أن يكون المهر شيئا حقيرا كالنعلين والمد من الطعام ووزن نواة من ذهب . قال القاضي عياض : الإجماع على أن مثل الشيء الذي لا يتمول ولا له قيمة لا يكون صداقا ولا يحل به النكاح ، فإن ثبت نقله فقد خرق هذا الإجماع أبو محمد بن حزم فقال : يجوز بكل شيء ولو كان حبة من شعير . ويؤيد ما ذهب إليه

                                                                                                                                            الكافة قوله صلى الله عليه وسلم : { التمس ولو خاتما من حديد } كما سيأتي لأنه أورده مورد التقليل بالنسبة لما فوقه ، ولا شك أن الخاتم من الحديد له قيمة وهو أعلى خطرا من النواة وحبة من شعير .

                                                                                                                                            وكذلك حكي في البحر الإجماع على أنه لا يصح تسمية ما لا قيمة له . قال الحافظ : وقد وردت أحاديث في أقل الصداق ، لا يثبت منها شيء ، وذكر منها حديث عامر بن ربيعة وحديث جابر المذكورين في الباب ، وحديث لبيبة مرفوعا عند ابن أبي شيبة : { من استحل بدرهم في النكاح فقد استحل } .

                                                                                                                                            وحديث أبي سعيد عند الدارقطني في أثناء حديث في المهر : { ولو على سواك من أراك } قال : وأقوى شيء في ذلك حديث جابر عند مسلم { كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم } ثم ذكر كلام البيهقي الذي قدمناه وقد اختلف في أقل المهر فحكي في البحر عن العترة جميعا وأبي حنيفة وأصحابه [ ص: 199 ] أن أقله عشرة دراهم أو ما يوازيها . واستدلوا بما أخرجه الدارقطني من حديث جابر بلفظ : { لا مهر أقل من عشرة دراهم } وهذا لو صح لكان معارضا لما تقدم من الأحاديث الدالة على أنه يصح أن يكون المهر دونها ولكنه لم يصح فإن في إسناده مبشر بن عبيد وحجاج بن أرطاة وهما ضعيفان ، وقد اشتهر حجاج بالتدليس ، ومبشر متروك كما قال الدارقطني وغيره وقال البخاري : منكر الحديث وقال أحمد : روى عنه بقية أحاديث كذب . وقد روى الحديث البيهقي من طرق منها عن علي عليه السلام ، وفي إسناده داود الأودي ، وهذا الاسم يطلق على اثنين أحدهما : داود بن زيد وهو ضعيف بلا خلاف ، والثاني : داود بن عبد الله ، وقد وثقه أحمد ، واختلفت الرواية فيه عن يحيى بن معين ومنها عن جابر قال البيهقي بعد إخراجه : هو حديث ضعيف بمرة وروي أيضا عن علي عليه السلام من طريق فيها أبو خالد الواسطي ، فهذه طرق ضعيفة لا تقوم بها حجة وعلى فرض أنها يقوي بعضها بعضا فهي لا تبلغ بذلك إلى حد الاعتبار لا سيما وقد عارضها ما في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة مثل حديث الخاتم الذي سيأتي وحديث نواة الذهب وسائر الأحاديث التي قدمناها وحكي في البحر أيضا عن عمر وابن عباس والحسن البصري وابن المسيب وربيعة والأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق والشافعي أن أقله ما يصح ثمنا أو أجرة ، وهذا مذهب راجح . وقال سعيد بن جبير : أقله خمسون درهما وقال النخعي : أربعون وقال ابن شبرمة : خمسة دراهم وقال مالك : ربع دينار ، وليس على هذه الأربعة الأقوال دليل يدل على أن الأقل هو أحدها لا دونه ومجرد موافقة مهر من المهور الواقعة في عصر النبوة لواحد منها كحديث النواة من الذهب فإنه موافق لقول ابن شبرمة ولقول مالك ، على حسب الاختلاف في تفسيرها ، لا يدل على أنه المقدار الذي لا يجزئ دونه إلا مع التصريح بأنه لا يجزئ دون ذلك المقدار ولا تصريح فلاح من هذا التقرير أن كل ما له قيمة صح أن يكون مهرا وسيأتي في باب جعل تعليم القرآن صداقا زيادة تحقيق المقام .

                                                                                                                                            2732 - ( وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة } رواه أحمد ) .

                                                                                                                                            2733 - ( وعن أبي هريرة قال : { كان صداقنا إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر أواق } . رواه النسائي وأحمد وزاد : { وطبق بيده وذلك أربعمائة } ) [ ص: 200 ]

                                                                                                                                            2734 - ( وعن أبي سلمة قال : { سألت عائشة : كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونش ، قالت : أتدري ما النش ؟ قلت : لا ، قالت : نصف أوقية فتلك خمسمائة درهم } . رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي ) .

                                                                                                                                            2735 - ( وعن أبي العجفاء قال : { سمعت عمر يقول : لا تغلوا صدق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى في الآخرة كان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم ، ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه . ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية } . رواه الخمسة وصححه الترمذي ) .

                                                                                                                                            2736 - ( وعن أبي هريرة قال : { جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني تزوجت امرأة من الأنصار ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : هل نظرت إليها فإن في عيون الأنصار شيئا ؟ قال : قد نظرت إليها ، قال : على كم تزوجتها ؟ قال : على أربع أواق ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم على أربع أواق كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل ، ما عندنا ما نعطيك ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه قال : فبعث بعثا إلى بني عبس ، بعث ذلك الرجل فيهم رواه مسلم } ) .

                                                                                                                                            2737 - ( وعن عروة عن أم حبيبة : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بأرض الحبشة ، زوجها النجاشي وأمهرها أربعة آلاف وجهزها من عنده وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة ولم يبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء وكان مهر نسائه أربعمائة درهم } . رواه أحمد والنسائي ) .

                                                                                                                                            حديث عائشة الأول أخرجه أيضا الطبراني في الأوسط بلفظ : { أخف النساء صداقا أعظمهن بركة } وفي إسناده الحارث بن شبل وهو ضعيف . وأخرجه أيضا الطبراني في الكبير والأوسط بنحوه . وأخرج نحوه أبو داود والحاكم وصححه عن عقبة بن عامر قال : [ ص: 201 ] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { خير الصداق أيسره } .

                                                                                                                                            وحديث أبي هريرة رجال إسناده ثقات . وحديث أبي العجفاء صححه أيضا ابن حبان والحاكم . وأبو العجفاء اسمه هرم بن نسيب . قال يحيى بن معين : بصري ثقة . وقال البخاري : في حديثه نظر . وقال أبو أحمد الكرابيسي : حديثه ليس بالقائم .

                                                                                                                                            وحديث أم حبيبة أخرجه أيضا أبو داود بلفظ : { إنه زوجها النجاشي النبي صلى الله عليه وسلم وأمهرها عنه أربعة آلاف وبعث بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شرحبيل بن حسنة } .

                                                                                                                                            وأخرج أبو داود أيضا عن الزهري مرسلا : { أن النجاشي زوج أم حبيبة بنت أبي سفيان من رسول الله صلى الله عليه وسلم على صداق أربعة آلاف درهم ، وكتب بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم } وقيل : بمائتي دينار .

                                                                                                                                            قوله : ( أيسره مؤنة ) فيه دليل على أفضلية النكاح مع قلة المهر ، وأن الزواج بمهر قليل مندوب إليه ; لأن المهر إذا كان قليلا لم يستصعب النكاح من يريده فيكثر الزواج المرغب فيه ويقدر عليه الفقراء ويكثر النسل الذي هو أهم مطالب النكاح ، بخلاف ما إذا كان المهر كثيرا فإنه لا يتمكن منه إلا أرباب الأموال ، فيكون الفقراء الذين هم الأكثر في الغالب غير مزوجين فلا تحصل المكاثرة التي أرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم كما سلف في أول النكاح .

                                                                                                                                            قوله : ( وذلك أربعمائة ) أي درهم لأن الأوقية كانت قديما عبارة عن أربعين درهما كما صرح به صاحب النهاية . قوله : ( كان صداقه لأزواجه . . . إلخ ) ظاهره أن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم كلهن كان صداقهن ذلك المقدار ، وليس الأمر كذلك وإنما هو محمول على الأكثر ، فإن أم حبيبة أصدقها النجاشي عن النبي صلى الله عليه وسلم المقدار المتقدم . وقال ابن إسحاق عن أبي جعفر : { أصدقها أربعمائة دينار } أخرجه ابن أبي شيبة من طريقه . وخرج الطبراني عن أنس أنه أصدقها مائتي دينار ، وإسناده ضعيف ، وصفية كان عتقها صداقها ، وخديجة وجويرية لم يكونا كذلك كما قال الحافظ .

                                                                                                                                            قوله : ( ونش ) بفتح النون بعدها شين معجمة ، وقع مرفوعا في هذا الكتاب . والصواب : ونشا ، بالنصب مع وجود لفظ : كان ، كما في غير هذا الكتاب ، أو الرفع مع عدمها كما في رواية أبي داود . قوله : ( لا تغلوا صدق النساء . . . إلخ ) . ظاهر النهي التحريم . وقد أخرج عبد الرزاق عن عمر أنه قال : " لا تغالوا في مهر النساء ، فقالت امرأة : ليس ذلك لك يا عمر ، إن الله تعالى يقول : { وآتيتم إحداهن قنطارا } من ذهب كما في قراءة ابن مسعود ، فقال عمر : امرأة خاصمت عمر فخصمته " وأخرج الزبير بن بكار بلفظ : " امرأة أصابت ورجل أخطأ " وأخرجه أبو يعلى مطولا . وقد وقع الإجماع على أن المهر لا حد لأكثره بحيث تصير الزيادة على ذلك الحد باطلة للآية . وقد اختلف في تفسير القنطار المذكور في الآية فقال أبو سعيد الخدري : هو ملء مسك ثور ذهبا .

                                                                                                                                            وقال معاذ : ألف ومائتا أوقية ذهبا . وقيل : سبعون ألف مثقال . وقيل : مائة رطل ذهبا [ ص: 202 ] قوله : ( زوجها النجاشي ) فيه دليل على جواز التوكيل من الزوج لمن يقبل عنه النكاح ، وكانت أم حبيبة المذكورة مهاجرة بأرض الحبشة مع زوجها عبد الله بن جحش ، فمات بتلك الأرض فزوجها النجاشي النبي صلى الله عليه وسلم وأم حبيبة هي بنت أبي سفيان .

                                                                                                                                            وقد تقدم اختلاف الروايات في مقدار صداقها .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية