الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        [ ص: 611 ] وقد اختلفوا في جواز تعدد العلل مع اتحاد الحكم ، فإن كان الاتحاد بالنوع ، مع الاختلاف بالشخص ، كتعليل إباحة قتل زيد بردته ، وقتل عمرو بالقصاص ، وقتل خالد بالزنا مع الإحصان ، فقد اتفقوا على الجواز ، وممن نقل الاتفاق على ذلك الأستاذ أبو منصور البغدادي ، والآمدي والصفي الهندي .

                        وأما إذا كان الاتحاد بالشخص ، فقيل : لا خلاف في امتناعه بعلل عقلية .

                        وحكى القاضي الخلاف في ذلك فقال : ثم اختلفوا إذا وجب الحكم العقلي بعلتين ، فقيل : لا يرتفع إلا بارتفاعهما جميعا .

                        وقيل : يرتفع بارتفاع إحداهما .

                        وأما تعدد العلل الشرعية ، مع الاتحاد في الشخص ، كتعليل قتل زيد بكونه من يجب عليه فيه القصاص ، وزنى مع الإحصان ، فإن كل واحد منهما يوجب القتل بمجرده ، فهل يصح تعليل إباحة دمه بهما معا أم لا ؟ اختلفوا في ذلك على مذاهب :

                        ( الأول ) : المنع مطلقا ، منصوصة كانت أو مستنبطة .

                        حكاه القاضي عبد الوهاب عن متقدمي أصحابهم ، وجزم به الصيرفي ، واختاره الآمدي ، ونقله القاضي ، وإمام الحرمين .

                        ( الثاني ) : الجواز مطلقا ، وإليه ذهب الجمهور ، كما حكاه القاضي في التقريب .

                        قال : وبهذا نقول ; لأن العلل علامات وأمارات على الأحكام ، لا موجبة لها ، فلا يستحيل ذلك .

                        قال ابن برهان في الوجيز : إنه الذي استقر عليه رأي إمام الحرمين .

                        ( الثالث ) : الجواز في المنصوصة دون المستنبطة ، وإليه ذهب أبو بكر بن فورك ، والفخر الرازي ، وأتباعه .

                        وذكر إمام الحرمين أن القاضي يميل إليه ، وكلام إمام الحرمين هذا هو الذي اعتمده [ ص: 612 ] ابن الحاجب في نقل هذا المذهب عن القاضي ، كما صرح به مختصر المنتهى ، ولكن النقل عن القاضي مختلف كما عرفته .

                        ( الرابع ) : الجواز في المستنبطة دون المنصوصة ، حكاه ابن الحاجب في مختصر المنتهى ، وابن المنير في شرحه للبرهان ، وهو قول غريب .

                        والحق ما ذهب إليه الجمهور من الجواز .

                        وكما ذهبوا إلى الجواز فقد ذهبوا أيضا إلى الوقوع ، ولم يمنع ذلك عقل ولا شرع .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية