الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر وفاة سعد الدولةبن حمدان

فلما برز سعد الدولة ليسير إلى دمشق لحقه قولنج ، فعاد إلى حلب ليتداوى ، فزال ما به وعوفي ، وعزم على العود إلى معسكره ، وحضر عند إحدى سراريه فواقعها فسقط عنها وقد فلج وبطل نصفه ، فاستدعى الطبيب ، فقال له : أعطني يدك لآخذ مجسك فأعطاه اليسرى ، فقال : أعطني اليمين فقال : لا تركت لي اليمين يمينا ، يعني نكثه بأولاد بكجور هو الذي أهلكه ، ( وقد ذكر ذلك ) ، وندم عليه حيث لم تنفعه الندامة ، وعاش بعد ذلك ثلاثة أيام ومات بعد أن عهد إلى ولده أبي الفضائل ، ووصى إلى لؤلؤ به وبسائر أهله .

[ ص: 450 ] فلما توفي قام أبو الفضائل ، وأخذ له لؤلؤ العهد على الأجناد ، وتراجعت العساكر إلى حلب .

وكان الوزير أبو الحسن المغربي قد سار من مشهد علي ، عليه السلام ، إلى العزيز بمصر ، وأطمعه في حلب ، فسير جيشا وعليهم منجوتكين أحد أمرائه ( إلى حلب ) ، فسار إليها في جيش كثيف فحصرها ، وبها أبو الفضائل ولؤلؤ ، فكتبا إلى بسيل ملك الروم يستنجدانه ، وهو يقاتل البلغار ، فأرسل بسيل إلى نائبه بأنطاكية يأمره بإنجاد أبي الفضائل ، فسار في خمسين ألفا ، حتى نزل على الجسر الجديد بالعاصي ، فلما سمع منجوتكين الخبر سار إلى الروم ليلقاهم قبل اجتماعهم بأبي الفضائل ، وعبر إليهم العاصي ، وأوقعوا بالروم فهزموهم وولوا الأدبار إلى أنطاكية ، وكثر القتل فيهم .

وسار منجوتكين إلى أنطاكية ، فنهب بلدها وقراها وأحرقها ، وأنفذ أبو الفضائل إلى بلد حلب ، فنقل ما فيه من الغلال وأحرق الباقي إضرارا بعساكر مصر ، وعاد منجوتكين إلى حلب فحصرها ، فأرسل لؤلؤ إلى أبي الحسن المغربي وغيرهم وبذل لهم مالا ليردا منجوتكين عنهم ، هذه السنة ، بعلة تعذر الأقوات ، ففعلوا ذلك ، وكان منجوتكين قد ضجر من الحرب ، فأجابهم إليه وسار إلى دمشق .

ولما بلغ الخبر إلى العزيز غضب وكتب بعود العسكر إلى حلب ، وإبعاد المغربي ، وأنفذ الأقوات من مصر في البحر إلى طرابلس ، ومنها إلى العسكر ، فنازل العسكر حلب ، وأقاموا عليها ثلاثة عشر شهرا ، فقلت الأقوات بحلب .

وعاد [ إلى ] مراسلة ملك الروم والاعتضاد به ، وقال له : متى أخذت حلب أخذت أنطاكية وعظم عليك الخطب . وكان قد توسط بلاد البلغار ، فعاد وجد في السير ، وكان الزمان ربيعا ، وعسكر مصر قد أرسل إلى منجوتكين يعرفه الحال ، وأتته جواسيسه بمثل ذلك ، فأخرب ما كان بناه من سوق وحمام وغير ذلك ، وسار [ ص: 451 ] كالمنهزم عن حلب ، ووصل ملك الروم فنزل على باب حلب ، وخرج إليه أبو الفضائل ولؤلؤ ، وعاد إلى حلب ، ورحل بسيل إلى الشام ، ففتح حمص وشيزر ونهبهما ، وسار إلى طرابلس فنازلها ، فامتنعت عليه ، وأقام عليها نيفا وأربعين يوما ، فلما أيس منها عاد إلى بلاد الروم .

ولما بلغ الخبر إلى العزيز عظم عليه ، ونادى في الناس بالنفير لغزو الروم ، وبرز من القاهرة ، وحدث به أمراض منعته ، وأدركه الموت ، على ما نذكره إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية