الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : إن قارون الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه، وابن مردويه ، عن ابن عباس : إن قارون كان من قوم موسى قال : كان ابن عمه، وكان يتبع العلم حتى جمع علما، فلم يزل في أمره ذلك حتى بغى على موسى وحسده، فقال له موسى عليه السلام : إن الله أمرني أن آخذ الزكاة . فأبى، فقال : إن موسى عليه السلام يريد أن يأكل أموالكم، جاءكم بالصلاة، [ ص: 503 ] وجاءكم بأشياء فاحتملتموها، فتحتملوه أن تعطوه أموالكم؟ قالوا : لا نحتمل، فما ترى؟ فقال لهم : أرى أن أرسل إلى بغي من بغايا بني إسرائيل، فنرسلها إليه، فترميه بأنه أرادها على نفسها . فأرسلوا إليها، فقالوا لها : نعطيك حكمك على أن تشهدي على موسى أنه فجر بك . قالت : نعم . فجاء قارون إلى موسى قال : اجمع بني إسرائيل، فأخبرهم بما أمرك ربك . قال : نعم . فجمعهم فقالوا له : ما أمرك ربك؟ قال : أمرني أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وأن تصلوا الرحم، وكذا وكذا، وأمرني في الزاني إذا زنى وقد أحصن أن يرجم . قالوا : وإن كنت أنت؟ قال : نعم . قالوا : فإنك قد زنيت . قال : أنا! فأرسلوا إلى المرأة فجاءت، فقالوا : ما تشهدين على موسى؟ فقال لها موسى : أنشدك بالله إلا ما صدقت . قالت : أما إذ نشدتني بالله، فإنهم دعوني وجعلوا لي جعلا على أن أقذفك بنفسي، وأنا أشهد أنك بريء، وأنك رسول الله . فخر موسى ساجدا يبكي، فأوحى الله إليه : ما يبكيك؟ قد سلطناك على الأرض، فمرها فتطيعك . فرفع رأسه فقال : خذيهم . [ ص: 504 ] فأخذتهم إلى أعقابهم، فجعلوا يقولون : يا موسى، يا موسى . فقال : خذيهم . فأخذتهم إلى ركبهم، فجعلوا يقولون : يا موسى، يا موسى . فقال : خذيهم فأخذتهم إلى أعناقهم، فجعلوا يقولون : يا موسى، يا موسى . فقال : خذيهم . فأخذتهم فغيبتهم، فأوحى الله : يا موسى، سألك عبادي وتضرعوا إليك فلم تجبهم، وعزتي لو أنهم دعوني لأجبتهم . قال ابن عباس : وذلك قوله تعالى : فخسفنا به وبداره الأرض خسف به إلى الأرض السفلى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الفريابي ، عن إبراهيم قال : كان قارون ابن عم موسى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله : إن قارون كان من قوم موسى قال : كان ابن عمه أخي أبيه؛ قارون بن يصهر بن فاهث أو قاهب، وموسى بن عرموم بن فاهث أو قاهب، [ ص: 505 ] وعرموم بالعربية عمران .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة قال : كان قارون ابن عم موسى أخي أبيه، وكان قطع البحر مع بني إسرائيل، وكان يسمى النور من حسن صوته بالتوراة، ولكن عدو الله نافق كما نافق السامري، فأهلكه الله لبغيه، وإنما بغى لكثرة ماله وولده .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله : فبغى عليهم قال : فعلا عليهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن شهر بن حوشب في قوله : إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم قال : زاد عليهم في طول ثيابه شبرا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله : وآتيناه من الكنوز قال : أصاب كنزا من كنوز يوسف .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن الوليد بن زوران في قوله : وآتيناه من الكنوز [ ص: 506 ] قال : كان قارون يعلم الكيمياء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن سلمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كانت أرض دار قارون من فضة، وأساسها من ذهب» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وابن المنذر ، عن خيثمة قال : وجدت في الإنجيل أن مفاتيح خزائن قارون كانت وقر ستين بغلا غرا محجلة، ما يزيد منها مفتاح على إصبع، لكل مفتاح كنز .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الفريابي ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن خيثمة قال : كانت مفاتيح كنوز قارون من جلود، كل مفتاح مثل الإصبع، كل مفتاح على خزانة على حدة، فإذا ركب حملت المفاتيح على سبعين بغلا أغر محجلا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في الآية قال : كانت المفاتيح من جلود الإبل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : لتنوء بالعصبة [ ص: 507 ] قال : تثقل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله : لتنوء بالعصبة يقول : لا يرفعها العصبة من الرجال أولي القوة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطستي ، في "مسائله" عن ابن عباس ، أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله : لتنوء بالعصبة قال : لتثقل . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم، أما سمعت قول امرئ القيس :

                                                                                                                                                                                                                                      تمشي فتثقلها عجيزتها مشي الضعيف ينوء بالوسق



                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الفريابي ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد قال : العصبة ما بين العشرة إلى الخمسة عشر وأولو القوة : خمسة عشر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وابن المنذر ، عن الكلبي قال : العصبة ما بين الخمسة عشر إلى الأربعين .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 508 ] وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : العصبة أربعون رجلا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال : كنا نحدث أن العصبة ما فوق العشرة إلى الأربعين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صالح مولى أم هانئ قال : العصبة سبعون رجلا . قال : وكانت خزانته تحمل على أربعين بغلا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : إذ قال له قومه لا تفرح قال : هؤلاء المؤمنون منهم، قالوا : يا قارون، لا تفرح بما أوتيت فتبطر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الفريابي ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : إن الله لا يحب الفرحين قال : المتبدخين، الأشرين، البطرين، الذين لا يشكرون الله على ما [ ص: 509 ] أعطاهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم وصححه، والطبراني ، وأبو نعيم ، والبيهقي في "الشعب"، والخرائطي في "اعتلال القلوب"، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الله يحب كل قلب حزين» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم وصححه، والبيهقي في "شعب الإيمان"، وقال : هذا متن منكر . عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «زر القبور تذكر بها الآخرة، واغسل الموتى فإن معالجة جسد خاو موعظة بليغة، وصل على الجنائز لعل ذلك يحزنك؛ فإن الحزين في ظل الله يوم القيامة» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : إن الله لا يحب الفرحين قال : الفرح هاهنا البغي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : إن الله لا يحب الفرحين قال : إن الله لا يحب الفرح بطرا، وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة قال : تصدق، وقرب لله تعالى، وصل الرحم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : إن الله لا يحب الفرحين قال : المرحين .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 510 ] وفي قوله : وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا يقول : لا تترك أن تعمل لله في الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الفريابي ، وابن أبي حاتم ، من وجه آخر، عن ابن عباس في قوله : ولا تنس نصيبك من الدنيا قال : أن تعمل فيها لآخرتك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، والفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : ولا تنس نصيبك من الدنيا قال : العمل بطاعة الله نصيبه من الدنيا، الذي يثاب عليه في الآخرة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الفريابي ، وابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في "شعب الإيمان"، عن الحسن في قوله : ولا تنس نصيبك من الدنيا قال : قدم الفضل، وأمسك ما يبلغك . وفي لفظ قال : احبس قوت سنة، وتصدق بما بقي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن قتادة : ولا تنس نصيبك من الدنيا قال : أن تأخذ من الدنيا ما أحل الله لك، فإن لك فيه غنى وكفاية .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 511 ] وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد "الزهد" عن منصور في قوله : ولا تنس نصيبك من الدنيا . قال : ليس هو عرضا من عرض الدنيا، ولكن نصيبك عمرك أن تقدم فيه لآخرتك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : قال إنما أوتيته على علم عندي يقول : على خير عندي، وعلم عندي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : إنما أوتيته على علم عندي يقول : علم الله أني أهل لذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون قال : المشركون، لا يسألون عن ذنوبهم، ولا يحاسبون لدخول النار بغير حساب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الفريابي ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون قال : كقوله : يعرف المجرمون بسيماهم [الرحمن : 41] . سود الوجوه، [ ص: 512 ] زرق، الملائكة لا تسأل عنهم؛ قد عرفتهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : فخرج على قومه في زينته قال : خرج على براذين بيض، عليها سروج من أرجوان، وعليها ثياب معصفرة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله : فخرج على قومه في زينته قال : في ثوبين أحمرين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن أبي الزبير قال : خرج قارون على قومه في ثوبين أحمرين بغير عصفر كالقرمز .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن إبراهيم النخعي، في قوله : فخرج على قومه في زينته قال : في ثياب حمر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن الحسن في [ ص: 513 ] قوله : فخرج على قومه في زينته قال : في ثياب صفر وحمر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله : فخرج على قومه في زينته قال : خرج في سبعين ألفا عليهم المعصفرات، وكان ذلك أول يوم في الأرض رئيت المعصفرات فيها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : فخرج على قومه في زينته قال : في حشمه، ذكر لنا أنهم خرجوا على أربعة آلاف دابة، عليهم ثياب حمر، منها ألف بغلة بيضاء، وعلى دوابهم قطائف الأرجوان .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن جريج في قوله : فخرج على قومه في زينته قال : خرج على بغلة شهباء عليها الأرجوان، ومعه ثلاثمائة جارية، على بغال شهب، عليهن ثياب حمر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : فخرج على قومه في زينته قال : خرج في جوار بيض، على سروج من ذهب، على قطف أرجوان، وهن [ ص: 514 ] على بغال، عليهن ثياب حمر، وحلي ذهب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن أوس بن أوس الثقفي، عن النبي صلى الله عليه وسلم : فخرج على قومه في زينته قال : «في أربعة آلاف يعني : بغل- عليه البزيون» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن عبدة بن أبي لبابة قال : أول من صبغ بالسواد قارون .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : قال الذين يريدون الحياة الدنيا قال : أناس من أهل التوحيد قالوا : يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون وفي قوله : ولا يلقاها إلا الصابرون يقول : لا يلقى ثواب الله والصواب من القول .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : إنه لذو حظ عظيم قال : ذو جد .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 515 ] وأخرج عبد الرزاق ، وابن أبي حاتم ، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي، قال : بلغنا أن قارون أوتي الكنوز والمال حتى جعل باب داره من ذهب، وجعل داره كلها من صفائح الذهب، وكان الملأ من بني إسرائيل يغدون إليه ويروحون، يطعمهم الطعام ويتحدثون عنده، وكان مؤذيا لموسى، فلم تدعه القسوة والبلاء، حتى أرسل إلى امرأة من بني إسرائيل مذكورة بالجمال، كانت تذكر بريبة، فقال لها : هل لك أن أمولك وأعطيك، وأن أخلطك بنسائي، على أن تأتيني والملأ من بني إسرائيل عندي فتقولين : يا قارون، ألا تنهى موسى عني؟ فقالت : بلى . فلما جاء أصحابه واجتمعوا عنده دعا بها، فقامت على رؤوسهم، فقلب الله قلبها ورزقها التوبة، فقالت : ما أجد اليوم توبة أفضل من أن أكذب عدو الله، وأبرئ رسول الله . فقالت : إن قارون بعث إلي فقال : هل لك أن أمولك، وأعطيك وأخلطك بنسائي، على أن تأتيني والملأ من بني إسرائيل عندي وتقولين : يا قارون، ألا تنهى موسى عني . فإني لم أجد اليوم توبة أفضل من أن أكذب عدو الله، وأبرئ رسول الله . فنكس قارون رأسه وعرف أنه قد هلك . وفشا الحديث في الناس حتى بلغ موسى عليه الصلاة [ ص: 516 ] والسلام، وكان موسى شديد الغضب، فلما بلغه توضأ، ثم صلى، وسجد وبكى وقال : يا رب، عدوك قارون كان لي مؤذيا -فذكر أشياء- ثم لن يتناه حتى أراد فضيحتي، يا رب، سلطني عليه . فأوحى الله إليه : أن مر الأرض بما شئت تطعك . فجاء موسى إلى قارون، فلما رآه قارون عرف الغضب في وجهه فقال : يا موسى، ارحمني . فقال موسى : يا أرض، خذيهم، فاضطربت داره، وخسف به وبأصحابه حتى تغيبت أقدامهم، وساخت دارهم على قدر ذلك، فقال قارون : يا موسى، ارحمني . فقال : يا أرض، خذيهم . فاضطربت داره، وخسف به وبأصحابه إلى ركبهم، وساخت داره على قدر ذلك، وجعل يقول : يا موسى، ارحمني . فقال موسى : يا أرض، خذيهم . فاضطربت داره وخسف به وبأصحابه إلى حلوقهم، وساخت داره على قدر ذلك، وقال : يا موسى ارحمني . فقال : يا أرض خذيهم . فخسف به وبأصحابه وبداره، فلما خسف به قيل له : يا موسى، ما أفظك، أما وعزتي لو إياي دعا لرحمته . [ ص: 517 ] وقال أبو عمران الجوني : فقيل لموسى : لا أعبد الأرض بعدك أحدا أبدا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الفريابي عن ابن عباس في قوله : فخسفنا به وبداره الأرض قال : خسف به إلى الأرض السفلى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، من طريق قتادة ، عن أبي ميمون، عن سمرة بن جندب قال : يخسف بقارون وقومه في كل يوم قدر قامة، فلا يبلغ الأرض السفلى إلى يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة قال : ذكر لنا أنه يخسف به كل يوم قامة، وأنه يتجلجل فيها لا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، عن ابن جريج ، مثله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : إن الله أمر الأرض أن تطيعه ساعة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، عن مالك بن دينار، أن قارون يخسف به كل يوم قامة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، عن عكرمة قال : لما خسف بقارون فهو يذهب، [ ص: 518 ] وموسى قريب منه، قال : يا موسى، ادع ربك يرحمني . فلم يجبه موسى حتى ذهب، فأوحى الله إليه : استغاث بك فلم تغثه، وعزتي وجلالي لو قال : يا رب : لرحمته .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد في "الزهد" عن عبد الله بن عوف القاري، عامل عمر بن عبد العزيز على ديوان فلسطين، أنه بلغه أن الله عز وجل أمر الأرض أن تطيع موسى عليه السلام في قارون، فلما لقيه موسى قال للأرض : أطيعيني . فأخذته إلى الركبتين، ثم قال : أطيعيني . فأخذته إلى الحقوين، وهو في ذلك يستغيث بموسى، ثم قال : أطيعيني . فوارته في جوفها . فأوحى الله إليه : يا موسى، ما أشد قلبك، وعزتي وجلالي لو بي استغاث لأغثته . قال : رب غضبا لك فعلت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله قال : جند ينصرونه، وما كان من المنتصرين قال : ما كانت عنده منعة يمتنع بها من الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : ويكأن الله يقول : أولا يعلم أن الله يبسط الرزق . وفي قوله : ويكأنه لا يفلح الكافرون . يقول : أولا تعلم أنه لا يفلح الكافرون . [ ص: 519 ] وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : ويكأن الله يقول : أولا ترى أن الله . وفي قوله : ويكأنه لا يفلح قال : أولا ترى أنه لا يفلح الكافرون .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية