الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( قال الشافعي ) أخبرنا مالك وسفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وعن هبته } ( أخبرنا الشافعي ) قال أخبرنا محمد بن الحسين عن يعقوب عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ، ولا يوهب } .

( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن عليا رضي الله تعالى عنه قال : " الولاء بمنزلة الخلف أقره حيث جعله الله عز وجل " .

( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر { عن عائشة أنها أرادت أن تشتري جارية تعتقها فقال : أهلها نبيعكها على أن ولاءها لنا فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لا يمنعك ذلك فإنما الولاء لمن أعتق } .

( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن هشام عن عروة عن أبيه { عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت جاءتني بريرة فقالت إني كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني فقالت لها عائشة إن أحب أهلك أن أعدها لهم ويكون ، ولاؤك لي فعلت فذهبت بريرة إلى أهلها ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فقالت إني قد عرضت عليهم ذلك فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها فأخبرته عائشة فقال : صلى الله عليه وسلم خذيها واشترطي لهم الولاء ، فإن الولاء لمن أعتق ففعلت عائشة ، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله وأثنى عليه فقال : أما بعد فما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله تعالى ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ، وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرطه أوثق ، وإنما الولاء لمن أعتق } .

( قال الشافعي ) في حديث هشام عن عروة عن النبي صلى الله عليه وسلم دلائل قد غلط في بعضها من يذهب مذهبهم من أهل العلم فقال : لا بأس ببيع المكاتب بكل حال ، ولا أراه إلا قد غلط الكتابة ثابتة ، فإذا عجز المكاتب فلا بأس أن يبيعه فقال : لي قائل بريرة كانت مكاتبة وبيعت وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم البيع فقلت له ، ألا ترى أن بريرة جاءت تستعين في كتابتها وتذهب مساومة بنفسها لمن يشتريها وترجع بخبر أهلها ؟ فقال : بلى ولكن ما قلت في هذا ؟ قلت إن هذا رضا منها بأن تباع قال : أجل قلت ودلالة على عجزها ، أو رضاها بالعجز قال : أما رضاها بالعجز ، فإذا رضيت بالبيع دل ذلك على رضاها بالعجز ، وأما على عجزها ، فقد تكون غير عاجزة وترضى بالعجز رجاء تعجيل العتق فقلت له والمكاتب إذا حلت نجومه فقال : قد عجزت لم يسأل عنه غيره ورددناه رقيقا وجعلنا للذي كاتبه بيعه ويعتق ويرق قال : أما هذا فلا يختلف فيه أحد أنه إذا عجز رد رقيقا قلت ، ولا يعلم عجزه إلا بأن يقول قد عجزت أو تحل نجومه فلا يؤدي ، ولا يعلم له مال قال : أجل ولكن ما دل على أن بريرة لم تكن ذات مال قلت مسألتها في أوقية ، وقد بقيت عليها أواق ورضاها بأن تباع دليل على أن هذا عجز منها على لسانها قال : إن هذا الحديث ليحتمل ما وصفت ويحتمل جواز بيع المكاتب قلت أما ظاهره فعلى ما وصفت والحديث على ظاهره ، ولو احتمل ما وصفت ووصفت كان أولى المعنيين أن يؤخذ به ما لا يختلف فيه أكثر أهل العلم من أن المكاتب لا يباع حتى يعجز ، ولم ينسب إلى العامة أن يجهل معنى حديث ما روي عن النبي [ ص: 133 ] صلى الله عليه وسلم .

( قال الشافعي ) فبين في كتاب الله عز وجل ، ثم سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ثم ما لا تمتنع منه العقول من أن المرء إذا كان مالكا لرجل فأعتقه فانتقل حكمه من العبودية إلى الحرية فجازت شهادته وورث وأخذ سهمه في المسلمين وحد حدودهم وحد له فكانت هذه الحرية إنما تثبت العتق للمالك وكان المالك المسلم إذا أعتق مسلما ثبت ، ولاؤه عليه فلم يكن للمالك المعتق أن يرد ولاءه فيرده رقيقا ، ولا يهبه ، ولا يبيعه ، ولا للمعتق ، ولا لهما لو اجتمعا على ذلك فهذا مثل النسب الذي لا يحول وبين في السنة وما وصفنا في الولاء أن الولاء لا يكون بحال إلا لمعتق ، ولا يحتمل معنى غير ذلك فإن قال قائل ما دل على ذلك ؟ قيل له : إن شاء الله تعالى قال : الله عز وجل { إنما الصدقات للفقراء والمساكين } فلم يختلف المسلمون أنها لا تكون إلا لمن سمى الله وأن في قول الله تبارك وتعالى معنيين أحدهما أنها لمن سميت له والآخر أنها لا تكون لغيرهم بحال ، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم { إنما الولاء لمن أعتق } ، فلو أن رجلا لا ولاء له والى رجلا أو أسلم على يديه لم يكن مولى له بالإسلام ، ولا الموالاة ، ولو اجتمعا على ذلك ، وكذلك لو وجده معبودا فالتقطه ومن لم يثبت له ولاء بنعمة تجري عليه للمعتق فلا يقال لهذا مولى أحد ، ولا يقال له مولى المسلمين فإن قال : قائل فما باله إذا مات كان ماله للمسلمين ؟ قيل له : ليس بالولاء ورثوه ولكن ورثوه بأن الله عز وجل من عليهم بأن خولهم ما لا مالك له دونه فلما لم يكن لميراث هذا مالك بولاء ، ولا بنسب ، ولا له مالك معروف كان مما خولوه فإن قال : وما يشبه هذا ؟ قيل : الأرض في بلاد المسلمين لا مالك لها يعرف هي لمن أحياها من المسلمين والذي يموت ، ولا وارث له يكون ماله لجماعتهم لا أنهم مواليه .

، ولو كانوا أعتقوه لم يرثه من أعتقه منهم ، وهو كافر ولكنهم خولوا ماله بأن لا مالك له .

التالي السابق


الخدمات العلمية