الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          وإن تزوج العبد بإذن سيده على صداق مسمى ، صح وهل يتعلق برقبته أو ذمة سيده ؛ على روايتين ، وإن تزوج بغير إذنه ، لم يصح النكاح ، فإن دخل بها ، وجب في رقبته مهر المثل ، وعنه : يجب خمسا المسمى ، اختارها الخرقي ، وإن زوج السيد عبده أمته ، لم يجب مهر ، ذكره أبو بكر ، وقيل : يجب ويسقط ، وإن زوج عبده حرة ، ثم باعها العبد بثمن في الذمة ، تحول صداقها أو نصفه - إن كان قبل الدخول - إلى ثمنه ، وإن باعها إياه بالصداق صح قبل الدخول وبعده ، ويحتمل ألا يصح قبل الدخول .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( وإن تزوج العبد بإذن سيده على صداق مسمى ، صح ) ; لأن الحجر عليه لحق سيده ، فإذا أسقط حقه سقط بغير خلاف ، وله نكاح أمة ولو أمكنه حرة ، ويملك نكاح واحدة إذا طلق ، نص عليه ، وفي تناول النكاح الفاسد [ ص: 148 ] احتمالان ( وهل يتعلق برقبته أو ذمة سيده ؛ على روايتين ) الأصح : أنه يتعلق بذمة سيده ، نقله الجماعة; لأنه حق تعلق بالعبد برضى السيد ، فتعلق بذمته كالدين ، وكذا النفقة ، والكسوة ، والمسكن ، نص عليه ، والثانية : تتعلق برقبته; لأنه وجب بفعله ، أشبه جنايته ، وعنه يتعلق بهما ، وعنه : بذمتيهما بذمة العبد أصالة ، وذمة سيده ضمانا ، وعنه بكسبه ، وفائدة الخلاف أن من ألزم السيد المهر والنفقة أوجبهما عليه ، وإن لم يكن للعبد ، وليس للمرأة الفسخ; لعدم كسب العبد ، وللسيد استخدامه ومنعه من الاكتساب ، ومن علقه بكسبه فللمرأة الفسخ إن لم يكن له كسب ، وليس لسيده منعه من التكسب ، وعلى الأول إن باعه سيده أو أعتقه لم يسقط المهر عن السيد ، نص عليه ، فأما النفقة فإنها تتجدد ، فيكون في الزمن المستقبل على المشتري وعلى العبد إذا أعتق .

                                                                                                                          ( وإن تزوج بغير إذنه ، لم يصح النكاح ) نقله الجماعة ، وهو قول عثمان ، وابن عمر ; لما روى جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أيما عبد تزوج بغير إذن سيده فهو عاهر رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي وحسنه ، وإسناده جيد ، لكن فيه عبد الله بن محمد بن عقيل وفيه كلام ، ورواه الخلال من حديث ابن عمر مرفوعا ، وأنكره أحمد ، ورواه أبو داود ، وابن ماجه ، عن ابن عمر موقوفا; ولأنه نكاح فقد شرطه فكان باطلا ، كما لو تزوج بغير شهود ، ونقل حنبل : هو كفضولي ، وقاله الأصحاب; ولأنه عقد يقف على الفسخ فوقف على الإجازة كالوصية ( فإن دخل بها ) ووطئها ( وجب في رقبته مهر المثل ) في قول أكثرهم ، كسائر الأنكحة الفاسدة ، فعلى هذا يباع فيه إلا أن يفديه السيد ، وقيل : [ ص: 149 ] يتعلق بذمة العبد ، والأول أظهر; لأن الوطء أجري مجرى الجناية الموجبة للضمان بغير إذن الولي ( وعنه : يجب خمسا المسمى ) نقله الجماعة ( اختارها الخرقي ) والقاضي ، وأصحابه; لما روى خلاس بن عمرو أن غلاما لأبي موسى تزوج بغير إذنه ، فكتب في ذلك إلى عثمان ، فكتب إليه أن فرق بينهما ، وخذ لها الخمسين من صداقها ، وكان صداقها خمسة أبعرة رواه أحمد; ولأن المهر أحد موجبي الوطء ، فجاز أن ينقص فيه العبد عن الحر كالحد ، قال الشيخ تقي الدين : المهر يجب في نكاح العبد بخمسة أشياء : عقد النكاح ، وعقد الصداق ، وإذن السيد في النكاح ، وإذنه في الصداق ، والدخول ، فبطل ثلاثة من قبل السيد ، فبقي من قبله اثنان وهو : التسمية ، والدخول . وعنه : إن علمت أنه عبد فلها خمسا المهر ، وإلا فلها المهر في رقبة العبد ، وقيل : يجب خمسا مهر المثل ، وعنه : المسمى ، قدمه في " الرعاية " ، ونقل المروذي : يعطي شيئا ، قلت : تذهب إلى حديث عثمان ؛ قال : أذهب أن يعطي شيئا ، قال أبو بكر : هو القياس .

                                                                                                                          تنبيه : السيد مخير بين أن يفديه بأقل الأمرين من قيمته أو مهر واجب ، كأرش جنايته ، ونقل حنبل : لا مهر; لأنه بمنزلة العاهر ، ويروى عن ابن عمر ، وهو رواية في " المحرر " : إن علما التحريم - وظاهر كلام جماعة : أو علمته هي ( وإن زوج السيد عبده أمته لم يجب مهر ، ذكره أبو بكر ) والقاضي; لأنه لا يجب للسيد على عبده مال ( وقيل : يجب ويسقط ) قدمه في " الكافي " ، و " المستوعب " ، و " الرعاية " ، وهو رواية في " التبصرة " ; لأن النكاح لا يخلو من مهر ، ثم يسقط لتعذر إتيانه ، وقال أبو الخطاب : يجب المسمى أو مهر المثل إن لم يكن مسمى [ ص: 150 ] والمذهب : أنه يجب مهر المثل ، ويتبع به بعد عتقه ، نص عليه في رواية سندي ، وجزم به في " الوجيز " ( وإن زوج عبده حرة ، ثم باعها العبد بثمن في الذمة ، تحول صداقها أو نصفه - إن كان قبل الدخول - إلى ثمنه ) ; لأن ذلك متعلق برقبة العبد ، فوجب أن ينتقل إلى بدله وهو الثمن ، وحاصله : أنه إذا باعه لها بثمن في ذمتها فعلى حكم مقاصصة الدينين ، وإن تعلق برقبته تحول مهرها إلى ثمنه ، كشراء غريم عبدا مدينا ، وإن تعلق بذمتيهما سقط المهر لملكها العبد ، والسيد تبع له; لأنه ضامنه ، ويبقى الثمن للسيد عليها ، وقيل : لا يسقط بناء على من ثبت له دين على عبد ثم ملكه ، ففي سقوطه وجهان ، والنصف قبل الدخول كالجميع إن لم يسقط في رواية ، قال في " الشرح " المذهب أنه لا يسقط بعد الدخول بحال ( وإن باعها إياه بالصداق صح قبل الدخول وبعده ) نص عليه; لأن الصداق يصلح أن يكون ثمنا لغير العبد ، فكذا له ، وفي رجوعه قبل الدخول بنصفه أو جميعه الروايتان ، وبطل النكاح إذن ( ويحتمل ألا يصح قبل الدخول ) هذا رواية ; لأنه يلزم من صحته فسخ النكاح ، ومن سقوط المهر بطلان البيع; لأنه عوضه ، ولا يصح بغير عوض ، واختار ولد صاحب " الترغيب " : إن تعلق برقبته أو ذمته ، وسقط ما في الذمة بملك طارئ - برئت ذمة السيد ، فيلزم الدور ، فيكون في الصحة بعد الدخول الروايتان قبله ، وإن جعله مهرها بطل العقد ، كمن زوج ابنه على رقبة من يعتق على الابن لو ملكه ، إذ نقدره له قبلها بخلاف إصداق الخمر; لأنه لو ثبت لم ينفسخ ، ذكره جماعة .




                                                                                                                          الخدمات العلمية