الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        وقد قسموا النص على العلة إلى صريح ، وظاهر .

                        قال الآمدي : فالصريح هو الذي لا يحتاج فيه إلى نظر واستدلال ، بل يكون اللفظ موضوعا في اللغة له .

                        قال الإبياري : ليس المراد بالصريح المعنى الذي لا يقبل التأويل ، بل المنطوق بالتعليل فيه ، على حسب دلالة اللفظ الظاهر على المعنى ، انتهى .

                        ثم الصريح ينقسم إلى أقسام :

                        أعلاها أن يقول : لعلة كذا ، أو لسبب كذا ، أو نحو ذلك ، وبعده أن يقول : لأجل كذا ، أو من أجل كذا .

                        قال ابن السمعاني : وهو دون ما قبله ; لأن لفظ العلة تعلم به العلة من غير واسطة ، بخلاف قوله : " لأجل " ، فإنه يفيد معرفة العلة ، بواسطة أن العلة ما لأجلها الحكم ، والدال بلا واسطة أقوى ، وكذا قال الأصفهاني .

                        وبعده أن يقول : كي يكون كذا ، فإن الجويني في البرهان جعلها من الصريح ، وخالفه الرازي .

                        وبعده إذا ، فإن أبا إسحاق الشيرازي ، والغزالي ، جعلاه من الصريح ، وجعله الجويني في البرهان من الظاهر .

                        وبعده ذكر المفعول له نحو : ضربته تأديبا .

                        [ ص: 617 ] وأما الظاهر : فينقسم إلى أقسام أعلاها اللام ، ثم " أن " المفتوحة المخففة ، ثم " إن " المكسورة الساكنة ، بناء على أن الشروط اللغوية أسباب ، ثم " إن " المشددة كقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : إنها من الطوافين عليكم .

                        قال صاحب التنقيح : كذا عدوها من هذا القسم ، والحق أنها لتحقيق الفعل ، ولا حظ لها في التعليل ، والتعليل في الحديث مفهوم من سياق الكلام .

                        وقد نقل الإبياري إجماع النحاة على أنها لا ترد للتعليل ، قال : وهي في قوله : إنها من الطوافين عليكم للتأكيد; لأن علة طهارة سؤرها هي الطواف ، ولو قدرنا مجيء قوله : من الطوافين بغير " إن " لأفاد التعليل ، فلو كانت للتعليل لعدمت بعدمها ، ولا يمكن أن يكون التقدير لأنها ، وإلا لوجب فتحها ، ولاستفيد التعليل من اللام .

                        ثم " الباء " قال ابن مالك : وضابطه أن يصلح غالبا في موضعها اللام ، كقوله تعالى : ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله وقوله سبحانه : فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم وجعل من ذلك الآمدي والصفي الهندي قوله تعالى : جزاء بما كانوا يعملون ونسبه بعضهم إلى المعتزلة ، وقيل : هي المقابلة ، كقولك : هذا بذلك; لأن المعطي بعوض قد يعطي مجانا .

                        ثم " الفاء " : إذا علق بها الحكم على الوصف ، وذلك نوعان :

                        ( أحدهما ) : أن يدخل على السبب والعلة ، ويكون الحكم متقدما كقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : لا تخمروا رأسه ، فإنه يبعث ملبيا

                        ( الثاني ) : أن يدخل على الحكم ، وتكون العلة متقدمة ، كقوله تعالى : [ ص: 618 ] الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما

                        لأن التقدير من زنى فاجلدوه ، ومن سرق فاقطعوه .

                        ثم " لعل " على رأي الكوفيين من النحاة ، قالوا : إنها في كلام الله للتعليل المحض ، مجردة عن معنى الترجي; لاستحالته عليه .

                        ثم " إذ " : ذكره ابن مالك نحو : وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف .

                        ثم " حتى " : كما ذكره ابن مالك نحو قوله تعالى : حتى يعطوا الجزية ، حتى نعلم المجاهدين منكم حتى لا تكون فتنة ولا يخفى ما في عد هذه الثلاثة المتأخرة من جملة دلائل التعليل من الضعف الظاهر .

                        وقد عد منها صاحب التنقيح " لا جرم " نحو " لا جرم أن لهم النار " وعد أيضا جميع أدوات الشروط والجزاء . وعد إمام الحرمين منها " الواو " وفي هذا من الضعف ما لا يخفى على عارف بمعاني اللغة العربية .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية