الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإن أصابه خرء ما لا يؤكل لحمه من الطيور أكثر من قدر الدرهم جازت الصلاة فيه عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله ، وقال محمد رحمه الله لا تجوز ) فقد قيل إن الاختلاف في النجاسة ، وقد قيل في المقدار وهو الأصح .

[ ص: 208 ] هو يقول إن التخفيف للضرورة ولا ضرورة لعدم المخالطة فلا يخفف .

ولهما أنها تذرق من الهواء والتحامي عنه متعذر فتحققت الضرورة ، ولو وقع في الإناء قيل يفسده ، وقيل لا يفسده لتعذر صون الأواني عنه ( وإن أصابه من دم السمك أو لعاب البغل أو الحمار أكثر من قدر الدرهم أجزأت الصلاة فيه ) أما دم السمك فلأنه ليس بدم على التحقيق فلا يكون نجسا ، وعن أبي يوسف رحمه الله أنه اعتبر فيه الكثير الفاحش فاعتبره نجسا .

وأما لعاب البغل والحمار فلأنه مشكوك فيه فلا يتنجس به الطاهر ( فإن انتضح عليه البول مثل رءوس الإبر فذلك ليس بشيء ) لأنه لا يستطاع الامتناع عنه .

التالي السابق


( قوله فقد قيل إلخ ) يعني اختلف المشايخ في أن قولهما بجواز الصلاة بناء على طهارة خرء الطيور المحرمة أو على التقدير فيه بالفاحش فقال الكرخي لطهارته عندهما ، وقال الهندواني لخفته ، واتفقوا على أنه نجس مغلظ عند محمد ، ثم الواقع أن أبا يوسف مع أبي حنيفة على رواية الكرخي ومع محمد على رواية الهندواني ، والمفهوم من الهداية أنه مع أبي حنيفة : في الروايتين وليس كذلك ، فتحصل عن أبي حنيفة روايتان : رواية الهندواني خفيف ، ورواية الكرخي طاهر .

وعن أبي يوسف رحمه الله روايتان : رواية الهندواني غليظ ، ورواية الكرخي طاهر .

وعن محمد رحمه الله غليظ رواية واحدة ، وجعل المصنف الأصح التخفيف بناء على أن الضرورة [ ص: 208 ] فيه لا تؤثر أكثر من ذلك ، فإنه قلما يصل إلى أن يفحش فيكفي تخفيفه ( قوله هو يقول ) أي محمد ( قوله قيل يفسده وقيل لا يفسده ) الأول بناء على أنه نجس خفيف أو غليظ وإمكان الاحتراز بتخميرها إذ هو معتاد فلا يتحقق فيه ضرورة بل تفريط .

بخلاف الثوب والبدن ، وأما الثاني فيمكن كونه بناء على الطهارة أو على سقوط حكم النجاسة مع قيامها للضرورة كما قال أبو يوسف رحمه الله في شعر الخنزير حتى لو وقع في الماء أفسده مع إطلاق الانتفاع به للخرازين للضرورة ، وقد تظهر أولوية الأول لما قلنا .

فإن قلت : ما الفرق لمحمد بين خرء الطيور المحرمة وبول الهرة التي تعتاد البول على الناس حيث روي عنه فيه أنه طاهر ؟ فالجواب كأنه بنى نجاسة الخرء على عدم الضرورة إذ قد يصيب الناس وقد لا يصيب ، بل قلما يشاهد مصاب ، بخلاف ذلك السنور فإن الضرورة فيه متحققة ، وهما بنيا قيام الضرورة على عدم قدرة الاحتراز عنه ، هذا إن صحت هذه الرواية ، وإلا ففي التجنيس بال السنور في البئر نزح كله لأن بوله نجس باتفاق الروايات ، ولذا لو أصاب الثوب أفسده لكن الحق صحتها ، وحمل الروايات على الروايات الطاهرة أو مطلقا ، والمراد السنور الذي لا يعتاد البول على الناس ، وإلا فقد حكى هو في موضع آخر من التجنيس اختلاف المشايخ فيما إذا بال على الثوب .

وفي الخلاصة إذا بالت الهرة في الإناء أو على ثوب تنجس وكذا بول الفأرة وقال الفقيه أبو جعفر : ينجس الإناء دون الثوب ا هـ .

وهو حسن لعادة تخمير الأواني ، هذا وبول الفأرة في رواية لا بأس به ، والمشايخ على أنه نجس لخفة الضرورة ، بخلاف خرئها فإن فيه ضرورة في الحنطة فقالوا : إذا وقع فيها فطحنت جاز أكل الدقيق ما لم يظهر أثر الخرء فيه طعما ونحوه .

وفي الإيضاح : بول الخفافيش وخرؤها ليس بشيء ا هـ .

وفي فتاوى قاضي خان : بول الهرة والفأرة وخرؤهما نجس في أظهر الروايات يفسد الماء والثوب ، وبول الخفاش وخرؤه لا يفسد لتعذر الاحتراز عنه ، ودم البق والبراغيث ليس بشيء ، ودم الحلمة والأوزاغ نجس ( قوله مثل رءوس الإبر ليس بشيء ) يشير إلى أنه لو كان مثل [ ص: 209 ] رءوس المسلة منع .

وقال الهندواني يدل على أنه لو كان مثل الجانب الآخر اعتبر ، وغيره من المشايخ لا يعتبر الجانبين دفعا للحرج ، وما لم يعتبر إذا أصابه ماء فكثر لا يجب غسله . وفي المجتبى في نوادر المعلى : لو انتضح ويرى أثره لا بد من غسله ا هـ .

وقالوا : لو ألقى عذرة أو بولا في ماء فانتضح عليه ماء من وقعها لا ينجس ما لم يظهر لون النجاسة أو يعلم أنه البول ، وما ترشش على الغاسل من غسالة الميت مما لا يمكنه الامتناع عنه ما دام في علاجه لا ينجسه لعموم البلوى ، بخلاف الغسالات الثلاث إذا استنقعت في موضع فأصابت شيئا نجسته ، أما الماء الثالث وحده فعلى الخلاف السابق أول الباب .




الخدمات العلمية