الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 503 ] ذكر استيلاء يمين الدولة محمود بن سبكتكين على خراسان

لما قبض الأمير منصور سار محمود نحو فائق وبكتوزون ، ومعهما عبد الملك بن نوح ، فلما سمعوا بمسيره ساروا إليه ، فالتقوا بمرو آخر جمادى الأولى ، واقتتلوا أشد قتال رآه الناس إلى الليل ، فانهزم بكتوزون وفائق ومن معهما .

فأما عبد الملك وفائق فإنهما لحقا ببخارى ، وقصد بكتوزون نيسابور ، وقصد أبو القاسم بن سيمجور قهستان ، فرأى محمود أن يقصد بكتوزون وأبا القاسم ، ويعجلهما عن الاجتماع والاحتشاد فسار إلى طوس ، فهرب منه بكتوزون إلى نواحي جرجان ، فأرسل محمود خلفه أكبر قواده وأمرائه وهو أرسلان الجاذب في عسكر جرار ، فاتبعه حتى ألحقه بجرجان ، وعاد فاستخلفه محمود على طوس ، وسار إلى هراة .

فلما علم بكتوزون بمسير محمود عن نيسابور عاد إليها فملكها ، فقصده محمود ، فأجفل من بين يديه إجفال الظليم ، واجتاز بمرو فنهبها ، وسار عنها إلى بخارى ، واستقر ملك محمود بخراسان ، فأزال عنها اسم السامانية ، وخطب ( فيها للقادر بالله ، وكان إلى هذا الوقت لا يخطب له فيها ، إنما كان يخطب ) للطائع لله ، واستقل بملكها منفردا ، وتلك سنة الله تعالى يؤتي الملك من يشاء ، وينزعه ممن يشاء .

وولى محمود قيادة جيوش خراسان أخاه نصرا ، وجعله بنيسابور على ما كان يليه آل سيمجور للسامانية ، وسار هو إلى بلخ ، مستقر والده ، فاتخذها دار ملك ، واتفق أصحاب الأطراف بخراسان على طاعته كآل فريغون ، أصحاب الجوزجان ، ونحن نذكرهم إن شاء الله تعالى ، وكالشار الشاه ، صاحب غرشستان ، ونحن نذكر هاهنا [ ص: 504 ] أخبار هذا الشار ، فاعلم أن هذا اللقب هو الشار ، لقب كل من يملك بلاد غرشستان ، ككسرى للفرس ، وقيصر للروم ، والنجاشي للحبشة ، وكان الشار أبو نصر قد اعتزل الملك وسلمه إلى ولده الشاه ، وفيه لوثة وهوج ، واشتغل والده أبو نصر بالعلوم ومجالسة العلماء .

ولما عصى أبو علي بن سيمجور على الأمير نوح أرسل إلى غرشستان من حصرها ، وأجلى عنها الشاه الشار ووالده أبا نصر ، فقصدا حصنا منيعا في آخر ولايتهما ، فتحصنا به إلى أن جاء سبكتكين إلى نصرة الأمير نوح ، فنزلا إليه وأعاناه على أبي علي وعادا إلى ملكهما . فلما ملك الآن يمين الدولة محمود خراسان أطاعاه وخطبا له .

ثم إن يمين الدولة ، بعد هذا ، أراد الغزوة إلى الهند ، فجمع لها وتجهز ، وكتب إلى الشاه الشار يستدعيه ليشهد معه غزوته فامتنع وعصى ، فلما فرغ من غزوته ، سير إليه الجيوش ليملكوا بلاده ، فلما دخلوا البلاد طلب والده أبو نصر الأمان ، فأجيب إلى ذلك ، وحمل إلى يمين الدولة فأكرمه ، واعتذر أبو نصر بعقوق ولده ، وخلافه عليه فأمره بالمقام بهراة متوسعا عليه إلى أن مات سنة اثنتين وأربعمائة .

وأما ولده الشاه ، فإنه قصد ذلك الحصن الذي احتمى به على أبي علي ، فأقام به ومعه أمواله وأصحابه ، فحصره عسكر يمين الدولة في حصنه ، ونصبوا عليه المجانيق ، وألحوا عليه بالقتال ليلا ونهارا ، فانهدمت أسوار حصنه ، وتسلق العسكر إليه ، فلما أيقن بالعطب طلب الأمان ، والعسكر يقاتله ، فلم يزل كذلك حتى أخذ أسيرا ، وحمل إلى يمين الدولة ، فضرب تأديبا له ، ثم أودع السجن إلى أن مات ، وكان موته قبل موت والده .

ورأيت عدة مجلدات من كتاب " التهذيب " للأزهري في اللغة بخطه ، وعليه ما [ ص: 505 ] هذه نسخته : " يقول محمد بن أحمد بن الأزهري : قرأ علي الشار أبو نصر هذا الجزء من أوله إلى آخره ، وكتبه بيده صح " . فهذا يدل على اشتغاله وعلمه بالعربية ، فإن من يصحب مثل الأزهري ، ويقرأ كتابه " التهذيب " ، يكون فاضلا .

التالي السابق


الخدمات العلمية