الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2583 ) مسألة ; قال : ( فإن خرج قبل الوداع ، رجع إن كان بالقرب ، وإن بعد ، بعث بدم ) هذا قول عطاء ، والثوري ، والشافعي ، وإسحاق ، وأبي ثور . والقريب هو الذي بينه وبين مكة دون مسافة القصر . والبعيد من بلغ مسافة القصر . نص عليه أحمد . وهو قول الشافعي . وكان عطاء يرى الطائف قريبا . وقال الثوري حد ذلك الحرم ، فمن كان في الحرم فهو قريب ، ومن خرج منه فهو بعيد .

                                                                                                                                            ووجه القول الأول ، أن من دون مسافة القصر في حكم الحاضر ، في أنه لا يقصر ولا يفطر ، ولذلك عددناه من حاضري المسجد الحرام ، وقد روي أن عمر رد رجلا من مر إلى مكة ، ليكون آخر عهده بالبيت . رواه سعيد وإن لم يمكنه الرجوع لعذر ، فهو كالبعيد . ولو لم يرجع القريب الذي يمكنه الرجوع ، لم يكن عليه أكثر من دم .

                                                                                                                                            ولا فرق بين تركه عمدا أو خطأ ، لعذر أو غيره ; لأنه من واجبات الحج ، فاستوى عمده وخطؤه ، والمعذور وغيره ، كسائر واجباته . فإن رجع البعيد ، فطاف للوداع فقال القاضي : لا يسقط عنه الدم ; لأنه قد استقر عليه الدم ببلوغه مسافة القصر ، فلم تسقط برجوعه ، كمن تجاوز الميقات غير محرم ، فأحرم دونه ، ثم رجع إليه . وإن رجع القريب ، فطاف ، فلا دم عليه ، سواء كان ممن له عذر يسقط عنه الرجوع أو لا ; لأن الدم لم يستقر عليه ، لكونه في حكم الحاضر ، ويحتمل سقوط الدم عن البعيد برجوعه ; لأنه واجب أتى به ، فلم يجب عليه بدله ، كالقريب .

                                                                                                                                            ( 2584 ) فصل : إذا رجع البعيد ، فينبغي أن لا يجوز له تجاوز الميقات ، إن كان جاوزه ، إلا محرما ; لأنه ليس من أهل الأعذار ، فيلزمه طواف لإحرامه بالعمرة والسعي ، وطواف لوداعه ، وفي سقوط الدم عنه ما ذكرنا من الخلاف . وإن كان دون الميقات ، أحرم من ، موضعه . فأما إن رجع القريب ، فظاهر قول من ذكرنا قوله ، أنه لا يلزمه إحرام ; لأنه رجع لإتمام نسك مأمور به ، فأشبه من رجع لطواف الزيارة . فإن ودع وخرج ، ثم دخل مكة لحاجة ، فقال أحمد أحب إلي ألا يدخل إلا محرما ، وأحب إلي إذا خرج أن يودع البيت بالطواف .

                                                                                                                                            وهذا لأنه لم يدخل لإتمام النسك ، إنما دخل لحاجة غير متكررة ، فأشبه من يدخلها للإقامة بها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية