الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  صفحة جزء
                                                                  1 - حدثنا محمد بن صالح بن الوليد النرسي البصري قال : ثنا يحيى [ ص: 194 ] بن محمد بن السكن قال : ثنا إسحاق بن إدريس الأسواري قال : ثنا سلمة بن علقمة المازني قال : ثنا داود بن أبي هند ، عن عامر الشعبي ، عن عدي بن حاتم قال : لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وهاجر إليها جعل يبعث السرايا ، فلا يزال إبل قوم قد أغارت عليها خيله ، فلما رأيت ذلك قلت : والله لو خلفت أجمالا من إبلي ، فكانت تكون قريبا ، فوالله ما شعرت ذات يوم إذ راعي الإبل قد جاء يعدو بعصاه ، قلت : ويلك ما لك ؟ قال : أغير والله على النعم ، قلت : من أغار عليها ؟ قال : خيل محمد ، قلت لنفسي : هذا الذي كنت أحذر ، فوثبت أرحل أجمالي أنجو بأهلي ، وكنت نصرانيا ولي عمة فدخلت فقلت : ما ترى يصنع بها ؟ وحملت امرأتي ، وجاءتني عمتي فقالت : يا عدي ، أما تتقي الله أن تنجو بامرأتك وتدع عمتك ، فقلت : ما عسى أن يصنعوا بها ؟ امرأة قد خلي من سنها ، فمضيت ولم ألتفت إليها حتى وردت الشام ، فانتهيت إلى قيصر وهو يومئذ بحمص ، فقلت : إني رجل من العرب وأنا على دينك ، وإن هذا الرجل ليتناولنا ، فكان المفر إليك ، قال : اذهب فانزل مكان كذا وكذا حتى نرى من رأيك ، فذهبت فنزلت المكان الذي قال لي ، فكنت به حينا ، فبينا أنا ذات يوم إذا أنا بظعينة متوجهة إلينا حتى انتهت إلى بيوتنا ، فإذا هي عمتي ، فقالت لي : يا عدي ، أما اتقيت الله أن تنجو بامرأتك وتركت عمتك . قلت : قد كان ذلك فأخبرينا ما كان بعدنا . قالت : إنكم لما انطلقتم أتتنا الخيل فسبونا وذهب بي في السبي حتى انتهيت إلى المدينة ، وكنا في ناحية من المسجد فمر علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند القائلة وخلفه رجل يتبعه وهو علي بن أبي طالب ، فأومأ إلي ذلك الرجل أن كلميه ، فهتفت به فقلت : يا رسول الله ، هلك الولد وغاب الوافد ، فمن [ ص: 195 ] علي من الله عليك . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ومن وافدك ؟ " قلت : عدي بن حاتم . قال : " الذي فر من الله ورسوله " . ثم مضى ولم يلتفت إلي حتى كان الغد فمر بي نحو تلك الساعة وخلفه ذلك الرجل ، فأومأ إلي أن كلميه ، فهتفت به فقلت : يا رسول الله هلك الولد ، وغاب الوافد ، فمن علي من الله عليك . قال : " ومن وافدك ؟ " قلت : عدي بن حاتم الطائي . قال : " الذي فر من الله ورسوله " ولم يلتفت إلي ، فلما كان اليوم الثالث نحوا من تلك الساعة مر وخلفه ذاك يعني عليا ، فأومأ أن كلميه ، فأومأت إليه بيدي أن قد كلمته مرتين ، فأومأ : كلميه أيضا ، فهتفت به فقلت : يا رسول الله هلك الولد ، وغاب الوافد ، فمن علي من الله عليك . قال : " ومن وافدك ؟ " قلت : عدي بن حاتم . قال : " الذي فر من الله ورسوله " ، ثم قال : " اذهبي فأنت حرة لوجه الله - عز وجل - ، فإذا وجدت أحدا يأتي أهلك فأخبريني نحملك إلى أهلك " قالت : فانطلقت فإذا أنا برفقة من تنوخ يحملون الزيت ، فباعوا زيتهم وهم يرجعون ، فحملني على هذا الجمل وزودني .

                                                                  قال عدي : ثم قالت لي عمتي : أنت رجل أحمق ، أنت قد غلبك على شرفك من قومك من ليس مثلك ، ائت هذا الرجل فخذ بنصيبك ، فقلت : وإنه لقد نصحت لي عمتي ، فوالله لو أتيت هذا الرجل فإن رأيت ما يسرني أخذت ، وإن رأيت غير ذلك رجعت ، وكنت أضن بديني ، فأتيت حتى وصلت المدينة في غير جوار ، فانتهيت إلى المسجد فإذا أنا فيه بحلقة عظيمة ، ولم أكن قط في قوم إلا عرفت ، فلما انتهيت إلى الحلقة سلمت ، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من أنت ؟ " قلت : أنا عدي بن حاتم الطائي ، وكان أعجب شيء إليه أن يسلم عليه أشراف العرب [ ص: 196 ] ورءوسهم ، فوثب من الحلقة فأخذ بيدي فوجه بي إلى منزله ، فبينا هو يمشي معي إذ نادته امرأة وغلام معها : يا رسول الله ، إن لنا إليك حاجة ، فخلوا به قائما معهما حتى أويت له من طول القيام ، قلت في نفسي : أشهد أنك بريء من ديني ودين النعمان بن المنذر ، وأنك لو كنت ملكا لم يقم معه صبي وامرأة طول ما أرى ، فقذف الله في قلبي له حبا حتى انتهيت إلى منزله ، فألقى إلي وسادة حشوها ليف ، فقعدت عليها ، وقعد هو على الأرض ، فقلت في نفسي : وهذا ، ثم قال لي : " ما أفرك من المسلمين إلا أنك سمعتهم يقولون لا إله إلا الله ؟ وهل من إله إلا الله ؟ وما أفرك من المسلمين إلا أنك سمعتهم يقولون الله أكبر ؟ فهل تعلم شيئا هو أكبر من الله عز وجل ؟ " فلم يزل حتى أسلمت وأذهب الله - عز وجل - ما كان في قلبي من حب النصرانية ، فسألت فقلت : يا رسول الله أنا بأرض صيد ، وإن أحدنا يرمي الصيد بسهمه لم يقتص أثره ليوم أو ليومين ، ثم يجده ميتا فيه سهمه فيأكله ؟ قال : " نعم إن شاء " .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية