الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 178 ] يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله عامة المفسرين على أن هذا الخطاب لليهود والنصارى . والمعنى: يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى اتقوا الله، وآمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم "يؤتكم كفلين" أي: نصيبين، وحظين "من رحمته" قال الزجاج: الكفل: كساء يمنع الراكب أن يسقط، فالمعنى: يؤتكم نصيبين يحفظانكم من هلكة المعاصي . وقد بينا معنى "الكفل" في سورة [النساء: 85] وفي المراد بالكفلين ها هنا قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: لإيمانهم بمن تقدم من الأنبياء، والآخر لإيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أن أحدهما: أجر الدنيا، والثاني: أجر الآخرة، قاله ابن زيد .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ويجعل لكم نورا فيه أربعة أقوال . [ ص: 179 ] أحدها: القرآن، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس . والثاني: نورا تمشون به على الصراط . رواه أبو صالح عن ابن عباس . والثالث: الهدى، قاله مجاهد . والرابع: الإيمان، قاله ابن السائب .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: لئلا يعلم "لا" زائدة . قاله الفراء: والعرب تجعل "لا" صلة في كل كلام دخل في آخره أو أوله جحد . فهذا مما جعل في آخره جحد . والمعنى: ليعلم أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بمحمد ألا يقدرون أي: أنهم لا يقدرون "على شيء من فضل الله" والمعنى: أنه جعل الأجرين لمن آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ليعلم من لم يؤمن به أنه لا أجر لهم ولا نصيب في فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء فآتاه المؤمنين . هذا تلخيص قول الجمهور في هاتين الآيتين وقد ذهب قوم إلى أنه لما نزل في مسلمة أهل الكتاب الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون إلى قوله تعالى: أولئك يؤتون أجرهم مرتين [القصص: 52 -54] افتخروا على المسلمين بزيادة الأجر، فشق ذلك على المسلمين، فنزلت هاتان الآيتان، وهذا المعنى في رواية أبي صالح عن ابن عباس، وبه قال مقاتل . فعلى هذا يكون الخطاب للمسلمين، ويكون المعنى: يؤتكم أجرين ليعلم مؤمنو أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله الذي خصكم، فإنه فضلكم على جميع الخلائق . وقال قتادة: لما نزل قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله . . . الآية . حسد أهل الكتاب المسلمين عليها، فأنزل الله تعالى: لئلا يعلم أهل الكتاب الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية