الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            2886 - ( وعن عائشة قالت : { جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : كنت عند رفاعة فطلقني فبت طلاقي ، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير ، وإنما معه مثل هدبة الثوب فقال : أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ لا ، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك } رواه الجماعة ، لكن لأبي داود معناه من غير تسمية الزوجين ) .

                                                                                                                                            2887 - ( وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { العسيلة هي الجماع } رواه أحمد والنسائي ) .

                                                                                                                                            2888 - ( وعن ابن عمر قال : { سئل نبي الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يطلق امرأته ثلاثا ويتزوجها آخر فيغلق الباب ويرخي الستر ثم يطلقها قبل أن يدخل بها ، هل تحل للأول ؟ قال : لا ، حتى يذوق العسيلة } رواه أحمد والنسائي وقال : قال : { لا تحل للأول حتى يجامعها الآخر } ) .

                                                                                                                                            [ ص: 301 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            [ ص: 301 ] حديث عائشة الثاني أخرجه أيضا أبو نعيم في الحلية ، قال الهيثمي : فيه أبو عبد الملك : لم أعرفه ، وبقية رجاله رجال الصحيح .

                                                                                                                                            وحديث ابن عمر هو من رواية سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن رزين بن سليمان الأحمري عن ابن عمر .

                                                                                                                                            وروي أيضا من طريق شعبة عن علقمة بن مرثد عن سالم بن رزين عن سالم بن عبد الله عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر ، قال النسائي : والطريق الأولى أولى بالصواب . قال الحافظ : وإنما قال ذلك لأن الثوري أتقن وأحفظ من شعبة ، وروايته أولى بالصواب من وجهين : أحدهما : أن شيخ علقمة هو رزين بن سليمان كما قال الثوري لا سالم بن رزين كما قال شعبة ، فقد رواه جماعة عن شعبة كذلك منهم غيلان بن جامع أحد الثقات . ثانيهما : أن الحديث لو كان عند سعيد بن المسيب عن ابن عمر مرفوعا لم يخالفه سعيد ويقول بغيره

                                                                                                                                            كما سيأتي . وفي الباب عن عائشة غير حديث الباب عند أبي داود بنحو حديث ابن عمر ، وعن ابن عباس نحوه عند النسائي . وعن أبي هريرة عند الطبراني وابن أبي شيبة بنحوه . وعن أنس عند الطبراني أيضا والبيهقي بنحوه أيضا . وعن عائشة أيضا حديث آخر عند الطبراني بإسناد رجاله ثقات { أن عمرو بن حزم طلق الغميصاء ، فنكحها رجل فطلق قبل أن يمسها ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : لا حتى يذوق الآخر عسيلتها وتذوق عسيلته }

                                                                                                                                            قوله : ( امرأة رفاعة القرظي ) قيل : اسمها تميمة ، وقيل : سهيمة ، وقيل : أميمة والقرظي بضم القاف وفتح الراء والظاء المعجمة نسبة إلى بني قريظة . قوله : ( عبد الرحمن بن الزبير ) بفتح الزاي من الزبير . قوله : ( هدبة الثوب ) بفتح الهاء وسكون المهملة بعدها باء موحدة مفتوحة : هي طرف الثوب الذي لم ينسج مأخوذ من هدب العين : وهو شعر الجفن ، هكذا في الفتح .

                                                                                                                                            وفي القاموس : الهدب بالضم وبضمتين : شعر أشفار العين ، وخمل الثوب واحدتهما بهاء ، وكذا في مجمع البحار نقلا عن النووي أنها بضم هاء وسكون دال ، وأرادت أن ذكره يشبه الهدبة في الاسترخاء وعدم الانتشار . واستدل به على أن وطء الزوج الثاني لا يكون محللا ارتجاع الزوج الأول للمرأة إلا إن كان حال وطئه منتشرا ، فلو لم يكن كذلك أو كان عنينا أو طفلا لم يكف على الأصح من قول أهل العلم . قوله : ( حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ) العسيلة مصغرة في الموضعين . واختلف في توجيهه ، فقيل : هو تصغير العسل ، لأن العسل مؤنث ، جزم بذلك القزاز . قال : وأحسب التذكير لغة . وقال الأزهري : يذكر ويؤنث . وقيل : لأن العرب إذا حقرت الشيء أدخلت فيه هاء التأنيث . وقيل : المراد : قطعة من العسل ، والتصغير للتقليل إشارة إلى أن القدر القليل كاف في تحصيل ذلك بأن يقع تغييب الحشفة في الفرج . وقيل : معنى العسيلة : النطفة ، وهذا يوافق قول الحسن [ ص: 302 ] البصري . وقال جمهور العلماء : ذوق العسيلة كناية عن الجماع ، وهو تغييب حشفة الرجل في فرج المرأة . وحديث عائشة المذكور في الباب يدل على ذلك ، وزاد الحسن البصري حصول الإنزال . قال ابن بطال : شذ الحسن في هذا وخالف الفقهاء وقالوا : يكفي ما يوجب الحد ويحصن الشخص ويوجب كمال الصداق ويفسد الحج والصوم . وقال أبو عبيدة : العسيلة : لذة الجماع ، والعرب تسمي كل شيء تستلذه عسلا

                                                                                                                                            وأحاديث الباب تدل على أنه لا بد فيمن طلقها زوجها ثلاثا ثم تزوجها زوج آخر من الوطء فلا تحل للأول إلا بعده . قال ابن المنذر : أجمع العلماء على اشتراط الجماع لتحل للأول إلا سعيد بن المسيب ثم ساق بسنده الصحيح عنه ما يدل على ذلك . قال ابن المنذر : وهذا القول لا نعلم أحدا وافقه عليه إلا طائفة من الخوارج ، ولعله لم يبلغه الحديث فأخذ بظاهر القرآن . وقد نقل أبو جعفر النحاس في معاني القرآن وعبد الوهاب المالكي في شرح الرسالة عن سعيد بن جبير مثل قول سعيد بن المسيب : وكذلك حكى ابن الجوزي عن داود أنه وافق في ذلك . قال القرطبي : ويستفاد من الحديث على قول الجمهور : أن الحكم يتعلق بأقل ما يطلق عليه الاسم خلافا لمن قال لا بد من حصول جميعه واستدل بإطلاق الذوق لهما على اشتراط علم الزوجين به حتى لو وطئها نائمة أو مغمى عليها لم يكف ذلك ولو أنزل هو . وبالغ ابن المنذر فنقله عن جميع الفقهاء

                                                                                                                                            واستدل بأحاديث الباب على جواز رجوعها إلى زوجها الأول إذا حصل الجماع من الثاني ويعقبه الطلاق منه لكن شرط المالكية - ونقل عن عثمان وزيد بن ثابت - أن لا يكون في ذلك مخادعة من الزوج الثاني ولا إرادة تحليلها للأول . وقال الأكثر : إن شرط ذلك في العقد فسد وإلا فلا ، وقد قدمنا الكلام على التحليل . ومما يستدل بأحاديث الباب عليه أنه لا حق للمرأة في الجماع ، لأن هذه المرأة شكت أن زوجها لا يطؤها وأن ذكره لا ينتشر وأنه ليس معه ما يغني عنها ولم يفسخ النبي صلى الله عليه وسلم نكاحها ، وفي ذلك خلاف معروف .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية