الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          194 - فصل في أدلة من ذهب إلى أن أطفال المسلمين في الجنة .

                          فمنها حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما من المسلمين من يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهم الله الجنة بفضل رحمته بحالهم يوم القيامة ، فيقال لهم : ادخلوا الجنة ، فيقولون : لا حتى يدخل آباؤنا ، فيقال : لهم ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم بفضل رحمتي " .

                          وفي لفظ : " ما من مسلم مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا [ ص: 1082 ] كانوا له حجابا من النار " .

                          ومنها حديثه أيضا ، وقيل له : حدثنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحديث يطيب أنفسنا عن موتانا ، فقال : سمعته يقول : " صغارهم دعاميص الجنة ، يتلقى أحدهم أباه ، فيأخذ بثوبه كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا ، فلا ينتهي حتى يدخله الله وأبويه الجنة " .

                          ومنها حديث معاوية بن قرة ، عن أبيه أن رجلا جاء بابنه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " أتحبه ؟ " فقال : أحبك الله يا رسول الله كما أحبه ، فتوفي الصبي ففقده النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : أين فلان بن فلان ؟ قالوا : يا رسول الله ، توفي ابنه ثم دخل الرجل ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أما ترضى ألا تأتي بابا من أبواب الجنة إلا جاء يفتحه [ ص: 1083 ] لك ؟ " فقالوا : يا رسول الله ، أله وحده أم لنا كلنا ؟ فقال : " بل لكم كلكم " .

                          ومنها حديث أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما من مسلم يتوفى له ثلاثة لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم " .

                          وهذه الأحاديث أكثرها في " الصحيح " وكلها صحيحة ، وهذا القول في أطفال المسلمين هو المعروف من قواعد الشرع حتى إن الإمام أحمد أنكر الخلاف فيه ، وأثبت بعضهم الخلاف ، وقال : إنما الإجماع على أولاد الأنبياء خاصة .

                          وأبو عمر اضطرب في النقل في هذا الباب ، فقال عند كلامه على " تأويل الفطرة " : قد أجمع المسلمون من أهل السنة وغيرهم إلا [ ص: 1084 ] المجبرة على أن أولاد المؤمنين في الجنة .

                          ثم لما ذكر الأخبار التي احتج بها من قال : إن الأطفال جميعهم في المشيئة ، قال : فهذه الآثار ، وما كان مثلها احتج بها من ذهب إلى الوقوف عن الشهادة لأطفال المسلمين ، أو المشركين بجنة ، أو نار ، وإليها ذهبت جماعة كبيرة من أهل الفقه والحديث : منهم حماد بن زيد ، وحماد بن سلمة ، وابن المبارك ، وإسحاق بن راهويه ، وغيرهم ، وهو يشبه ما رسمه مالك في أبواب ( القدر ) ، وما أورد في ذلك من الأحاديث ، وعلى ذلك أكثر [ ص: 1085 ] أصحابه ، وليس عن مالك فيه شيء منصوص ، إلا أن المتأخرين من أصحابه ذهبوا إلى أن أطفال المسلمين في الجنة ، وأطفال المشركين خاصة في المشيئة ، لآثار رويت في ذلك .

                          هذا ما ذكره في باب أبي الزناد في " التمهيد " .

                          وقال في باب ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب : " لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد " الحديث : " قد أجمع العلماء على أن أطفال المسلمين في الجنة ، ولا أعلم عن جماعتهم في ذلك خلافا إلا فرقة شذت من المجبرة فجعلتهم في المشيئة ، وهو قول شاذ مهجور مردود بإجماع أهل الحجة الذين لا يجوز مخالفتهم ، ولا يجوز على مثلهم الغلط في مثل هذا ، إلى ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أخبار الآحاد والثقات " .

                          فتأمل كيف ذكر الإجماع على أن أطفال المسلمين في الجنة ، وأنه لا يعلم في ذلك نزاعا ، وجعل القول بالمشيئة فيهم قولا شاذا مهجورا ، ونسبه في الباب الآخر إلى الحمادين وابن المبارك ، وإسحاق بن راهويه وأكثر أصحاب مالك ، وهذا من السهو الذي هو عرضة للإنسان ، ورب العالمين هو الذي لا يضل ، ولا ينسى .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية