الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 50 ] النوع الثاني : صلاة عسفان . وهي : أن يرتبهم الإمام صفين ويحرم بالجميع ، فيصلوا معه إلى أن ينتهي إلى الاعتدال عن ركوع الأولى ، فإذا سجد ، سجد معه الصف الثاني ، ولم يسجد الصف الأول ، بل يحرسوا لهم قياما ، فإذا قام الإمام والساجدون ، سجد أهل الصف الأول ولحقوه ، وقرأ الجميع معه وركعوا واعتدلوا ، فإذا سجد ، سجد معه الصف الحارسون في الركعة الأولى ، وحرس الآخرون ، فإذا جلس للتشهد ، سجدوا ، ولحقوه وتشهدوا كلهم معه وسلم بهم .

                                                                                                                                                                        هذه الكيفية ذكرها الشافعي - رحمه الله - في ( المختصر ) . واختلف الأصحاب ، فأخذ كثيرون بها ، منهم أصحاب القفال ، وتابعهم الغزالي ، وقالوا : هي منقولة عن فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن معه بعسفان ، وقال الشيخ أبو حامد ومن تابعه : ما ذكره الشافعي خلاف الثابت في السنة ، فإن الثابت أن الصف الأول سجدوا معه في الركعة الأولى ، والصف الثاني سجدوا معه الثانية ، والشافعي عكس ذلك .

                                                                                                                                                                        قالوا : والمذهب ما ثبت في الخبر ، لأن الشافعي - رحمه الله - قال : إذا رأيتم قولي مخالفا للسنة فاطرحوه . واعلم أن الشافعي لم يقل : إن الكيفية التي ذكرها هي صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعسفان ، بل قال : وهذا نحو صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعسفان ، فأشبه تجويزه كل واحد منهما . وقد صرح به الروياني وصاحب ( التهذيب ) وغيرهما .

                                                                                                                                                                        قلت : الصحيح المختار : جواز الأمرين ، وهو مراد الشافعي ، فإنه ذكر الحديث كما ثبت في الصحيح ، ثم ذكر الكيفية المذكورة ، فأشار إلى جوازهما . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        ثم المذهب الصحيح المنصوص المشهور : أن الحراسة في السجود خاصة ، وأن الجميع يركعون معه ، وفيه وجه : أنهم يحرسون في الركوع أيضا ، وهو شاذ منكر . قال أصحابنا : لهذه الصلاة ثلاثة شروط . أن يكون العدو في جهة [ ص: 51 ] القبلة ، وأن يكون على جبل ، أو مستوى من الأرض لا يسترهم شيء عن أبصار المسلمين ، وأن يكون في المسجد كثرة ، لتسجد طائفة وتحرس أخرى ، ولا يمتنع أن يزيد على صفين ، بل يجوز أن يرتبهم صفوفا كثيرة ، ثم يحرس صفان كما سبق ، ولا يشترط أن يحرس جميع من في الصف ، بل لو حرست فرقتان من صف واحد على المناوبة في الركعتين ، جاز . فلو تولى الحراسة في الركعتين طائفة واحدة ، ففي صلاة هذه الطائفة وجهان . أصحهما : الصحة ، وبه قطع جماعة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو تأخر الحارسون أولا إلى الصف الثاني في الركعة الثانية ، وتقدمت الطائفة الثانية ليحرسوا ، جاز إذا لم تكثر أفعالهم ، وذلك بأن يتقدم كل واحد من الصف الثاني خطوتين ، ويتأخر كل واحد من الصف الأول خطوتين وينفذ كل واحد بين رجلين .

                                                                                                                                                                        وهل هذا التقدم أفضل ، أم ملازمة كل واحد مكانه ؟ وجهان . قال الصيدلاني ، والمسعودي ، والغزالي ، وآخرون : التقدم أفضل . وقال العراقيون : الملازمة أفضل . ولفظ الشافعي على هذا أدل ، وهذا كله بناء على ما ذكره الشافعي : أن الصف الأول يحرس في الأول . فأما على اختيار أبي حامد : أن الصف الأول يسجدون في الأولى ، فإن في الركعة الثانية يتقدم الصف الثاني ، ويتأخر الأول فتكون الحراسة في الركعتين ممن خلف الصف الأول ، وكذلك ورد الخبر .

                                                                                                                                                                        قلت : ثبت في ( صحيح مسلم ) تقدم الصف الثاني ، وتأخر الأول . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية