الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر غزوة قشمير وقنوج وغيرهما

في هذه السنة غزا يمين الدولة بلاد الهند ، بعد فراغه من خوارزم ، فسار منها إلى غزنة ( ومنها إلى الهند ) عازما على غزو قشمير ، إذ كان قد استولى على بلاد الهند ما بينه وبين قشمير ، وأتاه من المتطوعة نحو عشرين ألف مقاتل من ما وراء النهر ، وغيره من البلاد ، وسار إليها من غزنة ثلاثة أشهر سيرا دائما ، وعبر نهر سيحون ، وجيلوم ، وهما نهران عميقان شديدا الجرية ، فوطئ أرض الهند ، وأتاه رسل ملوكها بالطاعة وبذل الإتاوة .

فلما بلغ درب قشمير أتاه صاحبها وأسلم على يده ، وسار بين يديه إلى مقصده ، فبلغ ماجون في العشرين من رجب ، وفتح ما حولها من الولايات الفسيحة ( والحصون المنيعة ) ، حتى بلغ حصن هودب ، وهو آخر ملوك الهند ، فنظر هودب [ ص: 613 ] من أعلى حصنه ، فرأى من العساكر ما هاله ورعبه ، وعلم أنه لا ينجيه إلا الإسلام ، فخرج في نحو عشرة آلاف ينادون بكلمة الإخلاص ، طلبا للخلاص فقبله يمين الدولة ، وسار عنه إلى قلعة كلجند ، وهو من أعيان الهند وشياطينهم ، وكان على طريقه غياض ملتفة لا يقدر السالك على قطعها إلا بمشقة ، فسير كلجند عساكره وفيوله إلى أطراف تلك الغياض يمنعون من سلوكها ، فترك يمين الدولة عليهم من يقاتلهم ، وسلك طريقا مختصرة إلى الحصن ، فلم يشعروا به إلا وهو معهم ، فقاتلهم قتالا شديدا ، فلم يطيقوا الصبر على حد السيوف ، فانهزموا ، وأخذهم السيف من خلفهم ، ولقوا نهرا عميقا بين أيديهم ، فاقتحموه ، فغرق أكثرهم وكان القتلى والغرقى قريبا من خمسين ألفا ، وعمد كلجند إلى زوجته فقتلها ثم قتل نفسه بعدها ، وغنم المسلمون أمواله وملكوا حصونه .

ثم سار نحو بيت متعبد لهم ، وهو مهرة الهند ، وهو من أحصن الأبنية على نهر ، ولهم به من الأصنام كثير ، منها خمسة أصنام من الذهب الأحمر المرصع بالجواهر ، وكان فيها من الذهب ستمائة ألف وتسعون ألفا وثلاثمائة مثقال ، وكان بها من الأصنام المصوغة من النقرة نحو مائتي صنم ، فأخذ يمين الدولة ذلك جميعه ، وأحرق الباقي ، وسار نحو قنوج ، ( وصاحبها راجيال ) ، فوصل إليها في شعبان ، فرأى صاحبها قد فارقها : وعبر الماء المسمى كنك ، وهو ماء شريف عندهم يرون أنه من الجنة ، وأن من غرق نفسه فيه طهر من الآثام ، فأخذها يمين الدولة ، وأخذ قلاعها وأعمالها ، وهي سبع على الماء المذكور ، وفيها قريب من عشرة آلاف بيت صنم ، يذكرون أنها عملت من مائتي ألف سنة إلى ثلاثمائة ألف كذبا منهم وزورا ، ولما فتحها أباحها عسكره .

ثم سار إلى قلعة البراهمة ، فقاتلوه وثبتوا ، فلما عضهم السلاح علموا أنهم لا طاقة لهم ، فاستسلموا للسيف فقتلوا ، ولم ينج منهم إلا الشريد .

[ ص: 614 ] ثم سار نحو قلعة آسي ، وصاحبها جند بال ، فلما قاربها هرب جند بال ، وأخذ يمين الدولة حصنه وما فيه ، ثم سار إلى قلعة شروة ، وصاحبها جندرآي ، فلما قاربه نقل ماله وفيوله نحو جبال هناك منيعة يحتمي بها ، وعمي خبره فلم يدر أين هو ، فنازل يمين الدولة حصنه فافتتحه وغنم ما فيه ، وسار في طلب جندرآي جريدة ، ( وقد بلغه خبره ) ، فلحق به في آخر شعبان فقاتله ، فقتل أكثر جند جندرآي ، وأسر أكثر منهم ، وغنم ما معه من مال وفيل ، وهرب جندرآي في نفر من أصحابه فنجا .

وكان السبي في هذه الغزوة كثيرا حتى إن أحدهم كان يباع بأقل من عشرة دراهم ، ثم عاد إلى غزنة ظافرا ، ولما عاد من هذه الغزوة أمر ببناء جامع غزنة ، فبني بناء لم يسمع بمثله ، ووسع فيه ، وكان جامعها القديم صغيرا ، وأنفق ما غنمه في هذه الغزاة في بنائه .

التالي السابق


الخدمات العلمية