الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك أنه بلغه عن سعد بن أبي وقاص أنه سئل عن الكلب المعلم إذا قتل الصيد فقال سعد كل وإن لم تبق إلا بضعة واحدة وحدثني عن مالك أنه سمع بعض أهل العلم يقولون في البازي والعقاب والصقر وما أشبه ذلك أنه إذا كان يفقه كما تفقه الكلاب المعلمة فلا بأس بأكل ما قتلت مما صادت إذا ذكر اسم الله على إرسالها .

                                                                                                          قال مالك وأحسن ما سمعت في الذي يتخلص الصيد من مخالب البازي أو من الكلب ثم يتربص به فيموت أنه لا يحل أكله قال مالك وكذلك كل ما قدر على ذبحه وهو في مخالب البازي أو في في الكلب فيتركه صاحبه وهو قادر على ذبحه حتى يقتله البازي أو الكلب فإنه لا يحل أكله قال مالك وكذلك الذي يرمي الصيد فيناله وهو حي فيفرط في ذبحه حتى يموت فإنه لا يحل أكله قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن المسلم إذا أرسل كلب المجوسي الضاري فصاد أو قتل إنه إذا كان معلما فأكل ذلك الصيد حلال لا بأس به وإن لم يذكه المسلم وإنما مثل ذلك مثل المسلم يذبح بشفرة المجوسي أو يرمي بقوسه أو بنبله فيقتل بها فصيده ذلك وذبيحته حلال لا بأس بأكله وإذا أرسل المجوسي كلب المسلم الضاري على صيد فأخذه فإنه لا يؤكل ذلك الصيد إلا أن يذكى وإنما مثل ذلك مثل قوس المسلم ونبله يأخذها المجوسي فيرمي بها الصيد فيقتله وبمنزلة شفرة المسلم يذبح بها المجوسي فلا يحل أكل شيء من ذلك

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          1067 1055 - ( مالك أنه بلغه عن سعد بن أبي وقاص ) مالك الزهري ( أنه سئل عن الكلب المعلم إذا قتل الصيد فقال : كل وإن لم تبق ) بفوقية فموحدة ( إلا بضعة ) بفتح الموحدة وتكسر وتضم وضاد معجمة قطعة ( واحدة ) وبهذا قال مالك في المشهور عنه والشافعي في القديم وغيرهما وهو ظاهر قوله تعالى : فكلوا مما أمسكن عليكم [ سورة المائدة : الآية 4 ] فإن الباقي بعد أكله قد أمسكه علينا فحل على ظاهر الآية وهو نص حديث ابن عمرو وعن مالك والشافعي في الجديد : لا يؤكل لنص حديث عدي لكن قد أمكن الجمع بينهما فوجب المصير إليه كما رأيت .

                                                                                                          - ( مالك أنه سمع بعض أهل العلم يقول في البازي ) بزنة القاضي فيعرب إعراب المنقوص ، والجمع بزاة كقضاة ، وفي لغة باز بزنة باب فيعرب بالحركات الثلاث ويجمع على أبواز كأبواب وبيزان كبيبان ( والعقاب ) من الجوارح أنثى ويسافده طائر من غير جنسه وقيل الثعلب ، قال يهجو :

                                                                                                          ما أنت إلا كالعقاب فأمه معروفة وله أب مجهول

                                                                                                          ( والصقر ) من الجوارح يسمى القطامي بضم القاف وفتحها وبه سمي الشاعر ، والأنثى صقرة بالهاء ، قاله ابن الأنباري .

                                                                                                          ( وما أشبه ذلك ) من كل ما يقبل التعليم ( أنه إذا كان يفقه ) يفهم ( كما تفقه الكلاب المعلمة فلا بأس بأكل ما قتلت مما صادت إذا ذكر اسم الله على إرسالها ) لقوله تعالى : وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه [ سورة المائدة : الآية 4 ] وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا أرسلت [ ص: 134 ] كلبك المعلم " فخرج جوابا لسؤال عدي عن الكلب .

                                                                                                          ( قال مالك : أحسن ما سمعت في الذي يتخلص ) بالتثقيل يأخذ ( الصيد من مخالب ) جمع مخلب بالكسر وهو للطائر والسبع كالظفر للإنسان لأن الطائر يخلب بمخالبه الجلد أي يقطعه ( البازي أو من في الكلب ثم يتربص به فيموت أنه لا يحل أكله ) لأنه ميتة .

                                                                                                          ( قال مالك : وكذلك كل ما قدر على ذبحه وهو في مخالب البازي أو في ) أي فم ( الكلب ) وإن لم يقدر على تخليصه منها ( فيتركه صاحبه وهو قادر على ذبحه حتى يقتله البازي أو الكلب فإنه لا يحل أكله ) لأنه لا يؤكل بالعقر إلا ما عجز عن تذكيته ، والفرض أنه قادر عليها .

                                                                                                          ( وكذلك الذي يرمي الصيد ) بسهمه ( فيناله وهو حي فيفرط في ذبحه حتى يموت فإنه لا يحل أكله ) لأنه ترك ذبحه مع إمكانه .

                                                                                                          ( قال مالك : الأمر المجتمع عليه عندنا ) بدار الهجرة ( أن المسلم إذا أرسل كلب المجوسي الضاري ) بالضاد المعجمة صفة لكلب أي المعود بالصيد ( فصاد أو قتل أنه إذا كان معلما ) جملة بين بها معنى الضاري ( فأكل ذلك الصيد حلال لا بأس به ) أي لا كراهة فيه ، إذ حلال بمعنى جائز قد يجامع الكراهة ( وإن لم يذكه ) من التذكية ، ولابن وضاح : " يدركه " من الإدراك ( المسلم ) جملة حالية إذ ما أدركه حيا وذكاه لا يتوهم عدم حله ( وإنما مثل ذلك مثل المسلم يذبح بشفرة المجوسي ) بفتح الشين السكين العريض جمعها شفار ككتاب ، وشفرات كسجدات ( أو يرمي بقوسه أو نبله ) سهامه ، مؤنثة لا واحد لها من لفظها ( فيقتل بها فصيده ذلك وذبيحته حلال لا بأس بأكله ) لأن العبرة بنفس الصائد والذابح لا بمالك الآلة [ ص: 135 ] ( وإذا أرسل المجوسي كلب المسلم الضاري على صيده فأخذه فإنه لا يؤكل ذلك الصيد إلا أن ) يدرك حيا و ( يذكى ) أي يذكيه المسلم فيحل له أكله ( وإنما مثل ذلك مثل قوس المسلم ونبله يأخذها المجوسي فيرمي بها الصيد فيقتله وبمنزلة شفرة ) سكين ( المسلم يذبح بها المجوسي فلا يحل أكل شيء من ذلك ) لأن العبرة بالفاعل لا الآلة .




                                                                                                          الخدمات العلمية