الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        المسلك الثامن

                        الطرد

                        قال في المحصول : والمراد منه : الوصف الذي لم يكن مناسبا ، ولا مستلزما للمناسب ، إذا كان الحكم حاصلا مع الوصف في جميع الصور المغايرة لمحل النزاع ، [ ص: 638 ] وهذا المراد من الاطراد والجريان ، وهو قول كثير من فقهائنا ، ومنهم من بالغ فقال : مهما رأينا الحكم حاصلا مع الوصف في صورة واحدة; يحصل ظن الغلبة .

                        احتجوا على التفسير الأول بوجهين :

                        ( أحدهما ) : أن استقراء الشرع يدل على أن النادر في كل باب يلحق بالغالب . فإذا رأينا الوصف في جميع الصور المغايرة لمحل النزاع مقارنا للحكم ، ثم رأينا الوصف حاصلا في الفرع ، وجب أن يستدل به على ثبوت الحكم إلحاقا لتلك الصورة بسائر الصور .

                        ( وثانيهما ) : إذا رأينا فرس القاضي واقفا على باب الأمير; غلب على ظننا كون القاضي في دار الأمير ، وما ذاك إلا لأن مقارنتهما في سائر الصور أفاد ظن مقارنتهما في هذه الصورة المعينة .

                        واحتج المخالف بأمرين :

                        ( أولهما ) أن الاطراد : عبارة عن كون الوصف بحيث لا يوجد إلا ويوجد معه الحكم ، وهذا لا يثبت إلا إذا ثبت أن الحكم حاصل معه في الفرع ، فإذا أثبتم ثبوت الحكم في الفرع بكون ذلك الوصف علة ، وأثبتم عليته بكونه مطردا; لزم الدور وهو باطل .

                        ( وثانيهما ) : أن الحد مع المحدود ، والجوهر مع العرض ، وذات الله مع صفاته حصلت المقارنة فيها مع عدم العلية .

                        والجواب : أن نستدل بالمصاحبة في كل الصور غير الفرع على العلية ، وحينئذ لا يلزم الدور .

                        وعن الثاني : أن غاية كلامكم حصول الطرد في بعض الصور ، منفكا عن العلية ، وهذا لا يقدح في دلالته على العلية ظاهرا ، كما أن الغيم الرطب دليل المطر ، ثم عدم نزول المطر في بعض الصور لا يقدح في كونه دليلا .

                        وأيضا : المناسبة ، والدوران ، والتأثير والإيماء قد ينفك كل واحد منها عن العلية ، ولم يكن ذلك قدحا في كونها على العلية ظاهرا ( فكذا ها هنا ) انتهى .

                        وقد جعل بعض أهل الأصول الطرد والدوران شيئا واحدا ، وليس كذلك ، فإن الفرق بين الطرد والدوران أن الطرد عبارة عن المقارنة في الوجود دون العدم ، والدوران [ ص: 639 ] عبارة عن المقارنة وجودا وعدما .

                        والتفسير الأول للطرد المذكور في المحصول ، قال الهندي هو قول الأكثرين .

                        وقد اختلفوا في كون الطرد حجة ; فذهب بعضهم إلى أنه ليس بحجة مطلقا وذهب آخرون إلى أنه حجة مطلقا .

                        وذهب بعض أهل الأصول إلى التفصيل ، فقال : هو حجة على التفسير الأول دون الثاني .

                        ومن القائلين بالمذهب الأول جمهور الفقهاء والمتكلمين ، كما نقله القاضي عنهم . قال القاضي حسين : لا يجوز أن يدان الله به ، واختار الرازي والبيضاوي أنه حجة ، وحكاه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في التبصرة عن الصيرفي ، قال الكرخي : هو مقبول جدلا ، ولا يسوغ التعويل عليه عملا ، ولا الفتوى به .

                        قال القاضي أبو الطيب الطبري : ذهب بعض متأخري أصحابنا إلى أنه يدل على صحة العلية ، واقتدى به قوم من أصحاب أبي حنيفة بالعراق; فصاروا يطردون الأوصاف على مذاهبهم ، ويقولون إنها قد صحت ، كقولهم في مس الذكر : مس آلة الحدث ، فلا ينتقض الوضوء بلمسه; لأنه طويل مشقوق ، فأشبه البوق ، وفي السعي بين الصفا والمروة : إنه سعي بين جبلين ، فلا يكون ركنا ، كالسعي بين جبلين بنيسابور ، ولا يشك عاقل أن هذا سخف . قال ابن السمعاني وسمى أبو زيد الذين يجعلون الطرد حجة ، والاطراد دليلا على صحة العلية حشوية أهل القياس . قال ولا يعد هؤلاء من جملة الفقهاء .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية