الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                معلومات الكتاب

                الأشباه والنظائر على مذاهب أبي حنيفة النعمان

                ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                صفحة جزء
                71 - يصير نزهة للناظرين ، 72 - ومرجعا للمدرسين ، [ ص: 40 ] ومطلبا للمحققين ، 74 - ومعتمدا للقضاة والمفتين ، 75 - للمحصلين 76 - وكشفا لكرب الملهوفين 77 -

                هذا لأن الفقه أول فنوني ، 78 - طال ما أسهرت فيه عيوني [ ص: 41 ] وأعملت بدني إعمال الجد 80 - ما بين بصري ويدي وظنوني ، 81 - ولم أزل منذ زمن الطلب 82 - أعتني 83 - بكتبه 84 - قديما وحديثا ، [ ص: 42 ] وأسعى في تحصيل ما هجر منها سعيا حثيثا ، 86 - إلى أن وقفت منها على الجم الغفير ، 87 - وأحطت بغالب الموجود 88 - في بلدنا ( القاهرة ) 89 - مطالعة وتأملا 90 - بحيث لم يفتني منها 91 - إلا النزر اليسير ، كما ستراه عند سردها ، مع ضم الاشتغال والمطالعة لكتب الأصول من ابتداء أمري ، ككتاب البزدوي للإمام السرخسي ، والتقويم لأبي زيد الدبوسي ، والتنقيح [ ص: 43 ] وشرحه وشرح شرحه وحواشيه ، وشروح البزدوي من الكشف الكبير والتقرير ، 92 - حتى اختصرت تحرير المحقق ابن الهمام وسميته لب الأصول .

                ثم شرحت المنار 93 - شرحا جاء ، بحول الله وقوته ، فائقا على نوعه 94 -

                فنشرع إن شاء الله تعالى بحوله وقوته ، فيما قصدناه 95 - من هذا التأليف [ ص: 44 ] بعد تسميته ( بالأشباه والنظائر ) تسمية له باسم بعض فنونه ، 97 - سائلا الله تعالى القبول وأن ينفع به مؤلفه 98 - ومن نظر فيه 99 - إنه خير مأمول 100 - وإنه يدفع عنه كيد الحاسدين [ ص: 45 ] وافتراء المتعصبين . 102 -

                ولعمري إن هذا الفن لا يدرك بالتمني ، 103 - ولا ينال ، بسوف 104 - ولعل ، 105 - ولو أني ، 106 - ولا يناله إلا من كشف عن ساعد الجد ، وشمر [ ص: 46 ] واعتزل أهله ، وشد المئزر ، 108 - وخاض البحار ، وخالط العجاج ، 109 - يدأب في التكرار والمطالعة بكرة وأصيلا ، 110 - وينصب نفسه للتأليف والتحرير بيانا ومقيلا ، [ ص: 47 ] ليس له همة إلا معضلة وبحلها ، 112 - أو مستصعبة عزت على القاصرين إلا ويرتقي إليها ويحلها ، 113 - على أن ذلك 114 - ليس من كسب العبد وإنما هو من فضل الله يؤتيه من يشاء 115 - وهأنذا 116 - أذكر [ ص: 48 ] الكتب التي نقلت منها 118 - مؤلفاتي الفقهية التي اجتمعت عندي 119 - في أواخر سنة ثمان وستين وتسعمائة .

                فمن شروح الهداية : النهاية وغاية البيان ، والعناية ، ومعراج الدراية والبناية ، والغاية ، وفتح القدير .

                ومن شروح الكنز : الزيلعي والعيني ومسكين .

                ومن شروح القدوري : السراج الوهاج ، والجوهرة ، والمجتبى والأقطع .

                ومن شروح المجمع : [ ص: 49 ] للمصنف وابن الملك ، ورأيت شرحا للعيني وقفا ، وشرح منية المصلي لابن أمير الحاج ، وشرح الوافي للكافي ، وشرح الوقاية والنقاية ، وإيضاح الإصلاح ، وشرح تلخيص الجامع الكبير للعلامة الفارسي ، وتلخيص الجامع للصدر الشهيد والبدائع للكاساني ، وشرح التحفة والمبسوط شرح الكافي ، 120 - والكافي للحاكم الشهيد وشرح الدرر والغرر لملا خسرو والهداية ، وشرح الجامع الصغير لقاضي خان ، وشرح مختصر الطحاوي والاختيار . ومن الفتاوى : الخانية ، والخلاصة ، والبزازية ، والظهيرية ، والولوالجية ، والعمدة ، والعدة ، والصغرى ، والواقعات للحسام الشهيد ، والقنية ، والمنية والغنية ، ومآل الفتاوى ، والتلقيح للمحبوبي ، والتهذيب للقلانسي ، وفتاوى قاري الهداية ، والقاسمية والعمادية ، وجامع الفصولين والخراج لأبي يوسف ، وأوقاف الخصاف ، والإسعاف [ ص: 50 ] والحاوي القدسي ، 122 - واليتيمة والمحيط الرضوي ، 123 - والذخيرة وشرح منظومة النسفي ، وشرح منظومة ابن وهبان له ولابن الشحنة ، والصيرفية ، وخزانة الفتاوى ، وبعض خزانة الأكمل ، وبعض السراجية والتتارخانية ، والتجنيس ، وخزانة الفقه ، وحيرة الفقهاء ، ومناقب الكردري ، وطبقات عبد القادر

                التالي السابق


                ( 71 ) يصير نزهة للناظرين : النزهة اسم من التنزه وهو التباعد ، ومكان نزه ككتف ونزيه وأرض نزهة بكسر الزاي ونزيهة بعيدة عن الريف وعمق المياه وذبان القرى ومد البحار وفساد الهوى ، وتنزه الرجل تباعد عن كل مكروه فهو نزيه واستعمال التنزه في الخروج إلى البساتين والخضر والرياض غلط قبيح كذا في القاموس وقد يقال استعمال التنزه بهذا المعنى مجازي وحينئذ لا يكون غلطا لأن المعنى المجازي لا يشترط استعمال العرب له لأن المجاز موضوع بالوضع النوعي لا الشخصي كما حقق في محله وإنما الشرط وجود علاقة من العلاقات التي اعتبرتها العرب في المعاني المجازية وهي موجودة هنا وهي اللزوم إذ من لازم الخروج إلى البساتين البعد عن الريف والقرى ومد البحار والناظرين جمع ناظر من نظر في الشيء إذا فكر فيه وتأمله . ( 72 )

                ومرجعا للمدرسين : المرجع مكان الرجوع المدرسين جمع مدرس من درس الكتاب قرأه . [ ص: 40 ]

                ومطلبا للمحققين : المطلب موضع الطلب والمحققين جمع محقق والتحقيق كما قال بعضهم إثبات المسألة بدليلها والتدقيق إثبات دليل المسألة بدليل آخر فبينهما تباين .

                قال الكمال المقدسي يصح كون التدقيق أخص بأن يقال التحقيق تفعيل من حق ثبت فهو إثبات المسألة بدليلها ، سواء كان على وجه فيه دقة أو لا والتدقيق إثباتها بدليل دليلها على وجه فيه دقة سواء أكانت الدقة لإثبات دليل المسألة بدليل أو لغير ذلك مما فيه دقة . ( 74 )

                ومعتمدا للقضاة والمفتين : أي معتمدا عليه من الاعتماد والاتكاء والاتكال والعمدة بالضم ما يعتمد عليه . ( 75 )

                وغنيمة للمحصلين : المراد بالغنيمة هنا الفوز بالشيء بلا مشقة والمحصلين جمع محصل من التحصيل جمع الشيء وتمييزه وأصله استخراج الذهب من حجر المعدن . ( 76 )

                وكشفا لكروب الملهوفين : أي كاشفا لحزن الملهوفين الذي يأخذ بالنفس والملهوفين جمع ملهوف وهو المظلوم المضطر يستغيث ويتحسر . ( 77 )

                هذا لأن الفقه أول فنوني : كلمة هذا يؤتى بها أثناء الكلام لربط ما بعدها بما قبلها على حد قوله تعالى {هذا وإن للطاغين لشر مآب } والفنون جمع فن وهو النوع من الشيء ، وأضاف الفنون إلى نفسه لأدنى ملابسة والمراد أن الفقه أول فن اشتغل به . ، ( 78 )

                طال ما أسهرت فيه عيوني : قال امتد .

                وما مصدرية والسهر عدم النوم ليلا والمعنى امتد إسهاري عيني في طلب تحصيل الفقه واستعمال الجمع موضع المثنى وكذا [ ص: 41 ] استعمال المفرد موضع المثنى عربي شائع سائغ ; تقول رجل ذو مناكب وإنما له منكبان ومن الثاني قول أبي ذؤيب :

                فالعين بعدهم كأن حداقها سملت بشوك فهي عور تدمع

                وكتابة طالما وقلما موصولة بما ، على ما نقله المطرزي عن ابن جني ولكن ابن درستويه لم يجز أن يوصل شيء من الأفعال بما ، سوى نعم وبئس وهذا إذا كانت ما كافة فإن كانت مصدرية فليس إلا الفصل كذا في النهاية في شرح الهداية من باب ما يقطع وما لا يقطع فاحفظه . ( 79 )

                وأعملت بدني إعمال الجد : أعملت من الإعمال استعمال العين والبدن من الجسد .

                ما سوى الرأس .

                والجد بالكسر الاجتهاد . ( 80 )

                ما بين بصري ويدي وظنوني : أي عملا مفرقا بين ما ذكر .

                فللبصر من ذلك النظر في كتبه ، ولليد كتابة مسائله والظن بمعنى محله وهو العقل والتدبر والتفكر في مسائله وأطلق اليد وأراد اليدين لأنه إذا كانت الشيئان لا يفترقان من خلق أو غيره أجزأ من ذكرهما ذكر أحدها كالعين تقول كحلت عيني وأنت تريد عينيك ومثل العينين المنخران والرجلان والخفان والنعلان تقول لبست خفي تريد خفيك كذا في شرح الحماسة . ( 81 )

                ولم أزل منذ زمن الطلب : أي لم أنفك من ابتداء زمن الطلب أي طلب الفقه أي محاولة تحصيله . ( 82 )

                أعتني : أي أهتم . ( 83 )

                بكتبه : أي ما صنف فيه من الكتب . ( 84 )

                قديما وحديثا : أي في الزمن القديم والحديث . [ ص: 42 ] وأسعى في تحصيل ما هجر منها سعيا حثيثا : السعي المشي والمراد منه هنا الاهتمام .

                والتحصيل الجمع .

                وما هجر منها أي ترك كشروح الجامع الكبير والصغير والزيادات والسير الكبير والحثيث السريع . ( 86 )

                إلى أن وقفت منها على الجم الغفير : الوقوف على الشيء الاطلاع عليه والجم الكثير والغفير من الغفر وهو الستر .

                والمعنى أن الكتب الفقهية التي اطلع عليها لعظم كثرتها تستر وجه الأرض . ( 87 )

                وأحطت بغالب الموجود : من أحاط بالشيء علما إذا بلغ أقصاه . ( 88 )

                في بلدنا القاهرة : أي المسماة بالقاهرة قال في القاموس القاهرة قاعدة الديار المصرية . ( 89 )

                ومطالعة وتأملا : منصوبان على التمييز المطالعة من اطلع على أمر علمه ، والتأمل التشبث في الأمر . ( 90 )

                بحيث لم يفتني منها : أي أحطت بغالب الموجود مطالعة وتأملا إحاطة متلبسة بحيث إني لم يفتني شيء فواتا ناشئا منها أي من ترك مطالعتها وتأملها .

                فكل من الجارين والمجرورين وقع صفة لمصدر محذوف والفوات الإعواز يقال فاته الشيء أعوزه وقال الراغب الفوت بعد الشيء عن الإنسان بحيث يتعذر عليه إدراكه . ( 91 ) إلا النزر اليسير كما ستراه عند سردها مع ضم الاشتغال والمطالعة لكتب [ ص: 43 ] الأصول من ابتداء أمري ككتاب البزدوي للإمام السرخسي والتقويم لأبي زيد الدبوسي والتنقيح وشرحه وشرح شرحه وحواشيه وشروح البزدوي من الكشف الكبير والتقرير : استثناء مفرغ والنزر الشيء القليل واليسير مرادف له فهو عطف تفسير . ( 92 )

                حتى اختصرت تحرير المحقق ابن الهمام وسميته لب الأصول ثم شرحت المنار : أي كتابه المسمى بالتحرير قوله ابن الهمام أي همام الدين فالألف واللام عوض عن المضاف إليه الواقع جزء علم .

                نبه على ذلك ابن جني في شرح ديوان المتنبي عن قوله :

                وقينا السيف حملته صدوق إذا لاقى وغارته لجوج

                قال أراد سيف الدولة فعرفه بالألف واللام لما كان معروفا بالإضافة ( انتهى ) .

                وقد جعل المؤلف اختصاره غاية لمطالعة كتب الأصول لأنه كتاب في غاية الوجازة والدقة فلا يقدم على اختصاره إلا من بلغ النهاية في علم الأصول كما يتحقق ذلك لمن طالعه . ( 93 )

                شرحا جاء بحول الله وقوته فائقا على نوعه : من فاق الرجل أصحابه يفوقهم علاهم وهو مأخوذ من لفظ الفوق المستعمل للفضيلة قال الله تعالى : { ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات } . ( 94 )

                فنشرع إن شاء الله تعالى بحوله وقوته فيما قصدناه : الفاء فصيحة لا استئنافية والشروع في الشيء الأخذ فيه . ( 95 )

                من هذا التأليف : يعني الحاضر ذهنا وإن تأخر وضع الخطبة على ما حققه الفاضل الدواني في شرح التهذيب . [ ص: 44 ]

                بعد تسميته بالأشباه والنظائر تسمية له باسم بعض فنونه : يعني أن التسمية بهذا الاسم مجاز علاقته الكلية والجزئية وذلك لأن في الأشباه والنظائر بعض من ذلك الكتاب فأطلق على كله . ( 97 )

                سائلا الله تعالى القبول وأن ينفع به مؤلفه : سائلا حال من فاعل نشرع وكان الأولى عليه أن يقول سائلين لوجوب المطابقة بين الحال وصاحبها .

                والقبول الرضاء والنفع ما يستعان به على الخير . ( 98 ) ومن نظر فيه : أي وأن ينفع به من نظر فيه أي تأمل .

                قال الراغب النظر قد يراد به التأمل والتفحص وقد يراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص واستعمال النظر في البصيرة أكثر عند الخاصة ، والعامة بالعكس ( انتهى ) .

                وقال بعض المحققين النظر يجيء لغة بمعنى الانتظار ويستعمل بغير صلة كقوله تعالى { انظرونا نقتبس من نوركم } وبمعنى الفكر ويستعمل بفي يقال نظر في كذا وبمعنى الرأفة ويستعمل باللام يقال نظر الأمير لفلان وبمعنى الرؤية ويستعمل بإلى قال الشاعر :

                نظرت إلى من حسن الله وجهه فيا نظرة كادت على وامق تقضي

                ثم قال ولا يمتنع حمل النظر المطلق يعني عن الصلة على الرؤية يعني بطريق الحذف والإيصال ، إنما الممتنع حمل الموصول بإلى على غيرها وبهذا تبين أن من وهم أن النظر مطلقا موصولا بمعنى الرؤية فقد وهم ، ( 99 )

                إنه خير مأمول : أي إنما سألته ما تقدم لأنه خير مرجو . ( 100 )

                وأن يدفع عنه كيد الحاسدين : عطف على ينفع .

                والدفع المنع وهو لا يعتمد سبق الثبوت بخلاف الرفع ومن ثم قال الفقهاء الرفع أقوى من الدفع كما في [ ص: 45 ] المستصفى والكيد المكر والخبث والحاسدين جمع حاسد وهو تمني تحول النعمة من غيره إليه . ( 101 )

                وافتراء المتعصبين : الافتراء الكذب والمتعصبين جمع متعصب من تعصب أتى بالعصبة من غير حق . ( 102 )

                ولعمري إن هذا الفن لا يدرك بالتمني : الواو للاستئناف ولعمري قسم واللام لام الابتداء وعمري مبتدأ وخبره محذوف وجوبا تقديره ما أقسم به . وجواب القسم قوله إن هذا الفن إلى آخره ساد مسد الخبر المحذوف . وفي القاموس وعمرك الله ما فعلت كذا وعمرك الله ، أصله عمرك الله تعميرا وأعمرك الله أن تفعل كذا تحلفه بالله وتسأله بطول عمره وجاء في الحديث النهي عن قول لعمر الله ( انتهى ) .

                ( أقول فعلى هذا ما كان ينبغي للمصنف أن يأتي بهذا القسم الجاهلي الذي ورد النهي عنه في الحديث .

                والمراد من هذا الفن الفقه .

                وقوله لا يدرك أي لا يلحق . من الدرك محركة اللحاق والتمني وهو طلب الشيء المحبوب ولو مستحيلا ) . ( 103 )

                ولا ينال بسوف : أي بلفظ سوف بأن يقول مثلا سوف أقرأ كذا وأكتب كذا . ( 104 )

                ولعل : أي ولا بلفظ لعل كأن يقول لعلي أقرأ كذا . ( 105 )

                ولو أني : أي ولا بلفظ لو أني كأن يقول لو أني فعلت كذا .

                وقد ورد في الحديث { إياك واللو فإن اللو تفتح عمل الشيطان } . وقال الشاعر :

                فلست بمدرك ما فات عني بلهف ولا بليت ولا لو أني

                ( 106 ) ولا يناله إلا من كشف عن ساعد الجد وشمر : النوال العطاء والكشف رفع الغطاء عن الشيء والساعد من إنسان ذراعه ومن الطائر جناحه والجد بكسر الجيم [ ص: 46 ] الاجتهاد .

                المراد بالتشمير التهيؤ للأمر وفي قوله ساعد الجد استعارة مكنية وتخييلية وترشيحية ، وذلك أنه شبه الجد بإنسان تشبيها مضمرا في النفس ثم أثبت للمشبه شيئا من لوازم المشبه به وهو الساعد ثم أثبت للساعد الكشف والتشمير على طريق الترشيح ثم إن هذا الكلام كناية عن الاهتمام والاعتناء بأمر الفقه . وعلى هذا تكون الكناية مبنية على الاستعارة المكنية فتأمل . ( 107 )

                واعتزل أهله وشد المئزر : الاعتزال مطاوع عزلته فاعتزل أي نحيته فتنحى وأهل الرجل عشيرته والشد التقوية للإيثاق . ( 108 )

                وخاض البحار وخالط العجاج : الخوض الدخول في الماء وخالط من الخلط وهو المزج من خلطه فأخلطه .

                والعجاج الغبار والإبل الكثير والمراد من هذا أنه لا ينال الفقه وغيره من العلوم على الوجه الأكمل إلا من رحل في تحصيله برا وبحرا . ( 109 )

                يدأب في التكرار والمطالعة بكرة وأصيلا : جملة يدأب حال من فاعل ينال ، والدءوب الجد في العمل والتعب .

                والتكرار قراءة المسائل مرة بعد أخرى لأجل الحفظ .

                والمطالعة من اطلع على الأمر علمه والبكرة بالضم الغدو والأصيل العشي والجمع أصل بضمتين وأصلان وآصال وأصائل وليس المراد خصوص هذين الوقتين بل هذا على حد قوله ضربته الظهر والبطن أي ضربت جميعه وإنما خص البكرة والأصيل لأنهما من أطايب الأوقات للاشتغال بالعلم ولكونهما من أطايب الأوقات خصتهما الخنساء بتذكر أخيها فيها حيث قالت :

                يذكرني طلوع الشمس صخرا وأذكره لكل مغيب شمس

                ( 110 ) وينصب نفسه للتأليف والتحرير بياتا ومقيلا : عطف على جملة يدأب ونصب الشيء رفعه والمراد بالنفس النفس الناطقة التي يعبر عنها كل أحد بأنا .

                والتأليف تقدم معناه وتحرير الكلام بيانه بالكتابة وتقريره بيانه بالعبارة كما في شرح تلخيص الجامع للمحقق التفتازاني إلا أنه فسره في شرح تلخيص المفتاح بتهذيب [ ص: 47 ] الكلام كما صرح به بعض أئمة اللغة والبيات :

                فعل الشيء ليلا والمقيل نصف النهار . ( 111 )

                ليس له همة إلا معضلة بحلها : الهمة الأمر الداعي إلى الفلاح من الهم وهو القصد والمعضلة من أعضل الأمر إذا اشتد صعوبة .

                والمراد بحلها بيانها بما يزيل إعضالها على طريق الاستعارة وذلك أنه شبه البيان المزيل للصعوبة بحل الرباط ثم اشتق من المصدر المشبه به الفعل على طريق الاستعارة التبعية . ( 112 )

                أو مستصعبة عزت على القاصرين فيرتقي إليها ويحلها : المستصعبة الصعبة من صعب الأمر صعوبة صار صعبا فالسين والتاء زائدتان للمبالغة والصعب نقيض الذلول .

                وعز الشيء صار عزيزا لا يوصل إليه لعزته .

                والقاصرين جمع قاصر والمراد العاجز عن إدراك المسائل الدقيقة .

                وقوله يحلها فيه عيب من عيوب السجع وهو الإيطاء وكان الظاهر أن يقول ويذلها أي يجعلها ذلولا .

                ويحلها أي ينزلها من حل به حلولا إذا نزل على طريق الحذف والإيصال فمن ضيق العطن وضعف الفطن . ( 113 )

                على أن ذلك : أي ما ذكر من حل المعضلة والمستصعبة . ( 114 )

                ليس من كسب العبد وإنما هو من فضل الله يؤتيه من يشاء : أي مما يكتسبه بالتعليم بل هو بالإلهام الذي هو إلقاء معنى في القلب بطريق الفيض والتفضيل . ( 115 )

                وهأنذا : يرسم بدون ألف قبل نا كما صرح به في كتب الرسم وها حرف تنبيه وأنا ضمير منفصل مبتدأ . ( 116 )

                أذكر : خبره .

                وفيه إدخال حرف التنبيه على ضمير الرفع الذي لم يخبر عنه باسم إشارة وهو شاذ كما في حواشي التسهيل لابن هشام حيث صرح بشذوذ قول الشاعر :

                أنا حكم ها أنت نجم مجالد

                والذكر بالكسر التذكار والشيء الذي يجري على اللسان . [ ص: 48 ] الكتب التي نقلت منها : النقل التحويل والمراد به هنا الأخذ . ( 118 )

                مؤلفاتي الفقهية التي اجتمعت عندي : أي حصلت بعد ما كانت متفرقة سواء كانت بطريق الملك والعارية أو غير ذلك . ( 119 )

                في أواخر سنة ثمان وستين وتسعمائة فمن شروح الهداية النهاية وغاية البيان والعناية ومعراج الدراية والبناية وفتح القدير ومن شروح الكنز الزيلعي والعيني ومسكين ومن شروح القدوري السراج الوهاج والجوهرة والمجتبى والأقطع ومن شروح الجمع للمصنف وابن الملك ورأيت شرحا للعيني وقفا وشرح منية المصلي لابن أمير حاج وشرح الوافي للكافي وشرح الوقاية والنقاية وإيضاح الإصلاح وشرح تلخيص الجامع الكبير للعلامة الفارسي وتلخيص الجامع للصدر الشهيد والبدائع للكاساني وشرح التحفة والمبسوط شرح الكافي : قال في أعلام الأخبار حين ذكر الحاكم الشهيد صنف الكثير المختصر والمنتقى والكافي والإشارات وغيرها ثم قال أما الكافي فقد شرحه المشايخ منهم شمس الأئمة السرخسي وهو المشهور بالمبسوط ( انتهى ) .

                وهو يوافق ما ذكره المصنف لكن قال في المبسوط فرأيت الصواب في تأليف شرح المختصر وهو كما ترى يدل على أنه شرح المختصر لا شرح الكافي كذا قيل . أقول لا مانع من كون السرخسي أطلق على الكافي مختصرا وإن لم يسمه الحاكم الشهيد بالمختصر باعتبار أن الحاكم الشهيد جمع كتب ظاهر الرواية التي صنفها محمد بن الحسن في كتابه المسمى بالكافي على وجه الاختصار بحذف المكرر وذكر المقرر فأطلق عليه السرخسي مختصرا بهذا الاعتبار . [ ص: 49 ]

                والكافي للحاكم الشهيد وشرح الدرر والغرر لملا خسرو والهداية وشرح الجامع الصغير لقاضي خان وشرح مختصر الطحاوي والاختيار ومن الفتاوى الخانية والخلاصة والبزازية والظهيرية والولوالجية والعمدة والصغرى والواقعات للحسام الشهيد والقنية والمنية والغنية ومآل الفتاوى والتلقيح للمحبوبي والتهذيب للقلانسي وفتاوى قاري الهداية والقاسمية والعمادية وجامع الفصولين والخراج لأبي يوسف وأوقاف الخصاف والإسعاف : قيل لم يذكر أوقاف هلال فكأنه لم يقف عليه مع أنه كثير شائع وينقل عنه في هذا الكتاب أشياء فالله أعلم لأي شيء تركه أقول دعوى أنه لم يقف عليه في غاية البعد . والظاهر أنه إنما ترك ذكره لأنه لم يكن في الكتب التي اجتمعت عنده في أواخر سنة ثمان وستين ولا ينافي ذلك نقله عنه لاحتمال أن يكون بالواسطة . [ ص: 50 ]

                والحاوي القدسي : قيل والحاوي لأصحابنا اثنان الحاوي القدسي وأظنه لرجل متأخر كان يسمى قاضي القدس ولا أعرف تفصيل ترجمته والحاوي الحصيري وهو للشيخ محمد بن أنوش الحصيري كان من تلامذة شمس الأئمة السرخسي وترجمته بذيل تاريخ بغداد للسمعاني ولم يذكره عبد القادر في طبقاته ولا الشيخ قاسم بن قطلوبغا ( انتهى )

                أقول بقي حاو ثالث وهو حاوي الزاهدي مؤلفه صاحب القنية وهو عزيز الوجود ورأيت عند بعض شيوخنا منه نسخة ( 122 )

                واليتيمة والمحيط الرضوي قيل لم يقف المصنف على المحيط البرهاني ولا على الذخيرة البرهانية التي هي مختصر المحيط وهما لمصنف واحد وهو الإمام برهان الدين محمود بن تاج الدين بن ماذة وهو ابن أخ الصدر الشهيد عمرو بن برهان الدين عبد العزيز بن عمر بن ماذه وأبوه أيضا إمام كبير يعرف بتاج السعيد إلا أنه لم يعرف له مؤلف مشهور وكثيرا ما يغلط الطلبة فيظنون أنه صاحب المحيط الكبير أعني برهان الدين محمد بن محمد السرخسي وليس كذلك ( انتهى ) .

                أقول سيأتي في كلام المصنف النقل عن المحيط البرهاني فإن صح ما ذكره هذا القائل يكون نقل المصنف عنه بالواسطة ( 123 )

                والذخيرة وشرح منظومة النسفي للمصفى وشرحي منظومة ابن وهبان له ولابن الشحنة والصيرفية وخزانة الفتاوى وبعض خزانة الأكمل وبعض السراجية والتتارخانية والتجنيس وخزانة الفقه وحيرة الفقهاء ومناقب الكردري وطبقات عبد القادر




                الخدمات العلمية