الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ابن عبد المطلب

واسمه شيبة ، سمي بذلك لأنه كان في رأسه لما ولد شيبة ، وأمه سلمى بنت عمرو بن زيد الخزرجية النجارية ، ويكنى أبا الحارث ، وإنما قيل له عبد المطلب لأن أباه هاشما شخص في تجارة إلى الشام ، فلما قدم المدينة نزل على عمرو بن لبيد الخزرجي من بني النجار ، فرأى ابنته سلمى فأعجبته فتزوجها .

وشرط أبوها أن لا تلد ولدا إلا في أهلها ، ثم مضى هاشم لوجهه وعاد من الشام ، فبنى بها في أهلها ، ثم حملها إلى مكة فحملت . فلما أثقلت ردها إلى أهلها ، ومضى إلى الشام فمات بغزة .

فولدت له سلمى عبد المطلب ، فمكث بالمدينة سبع سنين . ثم إن رجلا من بني الحارث بن عبد مناف مر بالمدينة فإذا غلمان ينتضلون ، فجعل شيبة إذا أصاب قال : أنا ابن هاشم ، أنا ابن سيد البطحاء . فقال له الحارثي : من أنت ؟ قال : أنا ابن هاشم بن عبد مناف . فلما أتى الحارثي مكة قال للمطلب ، وهو بالحجر : يا أبا الحارث تعلم أني وجدت غلمانا بيثرب وفيهم ابن أخيك ، ولا يحسن ترك مثله . فقال المطلب : لا أرجع إلى أهلي حتى آتي به . فأعطاه الحارثي ناقة فركبها ، وقدم المدينة عشاء فرأى غلمانا يضربون كرة ، فعرف ابن أخيه فسأل عنه فأخبر به ، فأخذه وأركبه على عجز الناقة . [ ص: 614 ] وقيل : بل أخذه بإذن أمه ، وسار إلى مكة فقدمها ضحوة والناس في مجالسهم فجعلوا يقولون له : من هذا وراءك ؟ فيقول : هذا عبدي . حتى أدخله منزله على امرأته خديجة بنت سعيد بن سهم .

فقالت : من هذا الذي معك ؟ قال : عبد لي . واشترى له حلة فلبسها ، ثم خرج به العشي فجلس إلى مجلس بني عبد مناف فأعلمهم أنه ابن أخيه ، فكان بعد ذلك يطوف بمكة فيقال : هذا عبد المطلب ، لقوله هذا عبدي .

ثم أوقفه المطلب على ملك أبيه فسلمه إليه . فعرض له نوفل بن عبد مناف ، وهو عمه الآخر ، بعد موت المطلب ، في ركح له ، وهو الفناء فأخذه ، فمشى عبد المطلب إلى رجالات قريش وسألهم النصرة على عمه ، فقالوا له ، ما ندخل بينك وبين عمك . فكتب إلى أخواله من بني النجار يصف لهم حاله ، فخرج أبو سعد بن عدس النجاري في ثمانين راكبا حتى أتى الأبطح ، فخرج عبد المطلب يتلقاه ، فقال له : المنزل يا خال ! قال : حتى ألقى نوفلا . وأقبل حتى وقف على رأسه في الحجر مع مشايخ قريش ، فسل سيفه ثم قال : ورب هذه البنية لتردن على ابن أختنا ركحه أو لأملأن منك السيف ! قال : فإني ورب هذه البنية أرد عليه ركحه ، فأشهد عليه من حضر ثم قال لعبد المطلب : المنزل يا ابن أخي . فأقام عنده ثلاثا ، فاعتمروا وانصرفوا .

فدعا ذلك عبد المطلب إلى الحلف ، فدعا بشر بن عمرو وورقاء بن فلان ورجالا من رجالات خزاعة فحالفهم في الكعبة وكتبوا كتابا .

وكان إلى عبد المطلب السقاية والرفادة ، وشرف في قومه وعظم شأنه . ثم إنه حفر زمزم ، وهي بئر إسماعيل بن إبراهيم ، عليه السلام ، التي أسقاه الله تعالى منها ، فدفنتها جرهم ، وقد تقدم ذكر ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية