الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( جهز ابنته ثم ادعى أن ما دفعه لها عارية وقالت هو تمليك أو قال الزوج ذلك بعد موتها ليرث منه وقال الأب ) أو ورثته بعد موته ( عارية ف ) المعتمد أن ( القول للزوج ولها إذا كان العرف مستمرا أن الأب يدفع مثله جهازا لا عارية ، و ) أما ( إن مشتركا ) كمصر والشام ( فالقول للأب ) [ ص: 157 ] كما لو أكثر مما يجهز به مثلها

التالي السابق


( قوله وقالت هو تمليك ) كذا في الفتح والبحر وغيرهما . ويشكل جعل القول لها بأنه اعترف بملكية الأب وانتقال الملك إليها من جهته ، وقد صرح في البدائع بأن المرأة لو أقرت بأن هذا المتاع اشتراه لي زوجي سقط قولها لأنها أقرت بالملك له ثم ادعت الانتقال إليها فلا يثبت إلا بدليل . ا هـ . ويجاب بأن هذه المسائل التي عملوا فيها بالظاهر كاختلاف الزوجين في متاع البيت ونحوها مما يأتي في كتاب الدعوى آخر باب التحالف ، ومثله ما مر في الاختلاف في دعوى المهر والهدية ( قوله فالمعتمد إلخ ) عبر عنه في فتح القدير بأنه المختار للفتوى . ومقابلة ما نقله قبله من أن القول لها أي بدون تفصيل بشهادة الظاهر لأن العادة دفع ذلك هبة . واختاره الإمام السرخسي من أن القول للأب لأن ذلك يستفاد من جهته ا هـ . والظاهر أن القول المعتمد توفيق بين هذين القولين يجعل خلافا لفظيا ( قوله فالقول للأب ) أي مع اليمين كما في فتاوى قارئ الهداية .

قلت : وينبغي تقييد القول للأب بما إذا كان الجهاز كله من ماله ، أما لو جهزها بما قبضه من مهرها فلا لأن الشراء وقع لها حيث كانت راضية بذلك وهو بمنزلة الإذن منها عرفا نعم لو زاد على مهرها فالقول له في الزائد إن كان العرف مشتركا .

ثم اعلم أنه قال في الأشباه : إن العادة إنما تعتبر إذا اطردت أو غلبت ، ولذا قالوا في البيع : لو باع بدراهم أو دنانير في بلد اختلف فيها النقود مع الاختلاف في المالية والزواج انصرف البيع إلى الأغلب . قال في الهداية لأنه هو المتعارف فينصرف المطلق إليه ا هـ كلام الأشباه .

مطلب في دعوى الأب أن الجهاز عارية

قلت : ومقتضاه أن المراد من استمرار العرف هنا غلبته ، ومن الاشتراك كثرة كل منهما إذ لا نظر إلى النادر ولأن حمل الاستمرار على كل واحد من أفراد الناس في تلك البلدة لا يمكن ، ويلزم عليه إحالة المسألة إذ لا شك في صدور العارية من بعض الأفراد والعادة الفاشية الغالبة في أشراف الناس وأوساطهم دفع ما زاد على المهر من الجهاز تمليكا سوى ما يكون على الزوجة ليلة الزفاف من الحلي والثياب ، فإن الكثير منه أو الأكثر عارية ، فلو ماتت ليلة الزفاف لم يكن للرجل أن يدعي أنه لها يلي القول فيه للأب أو الأم أنه عارية أو مستعار لها كما يعلم من قول [ ص: 157 ] الشارح ، كما لو كان أكثر مما يجهز به مثلها وقد يقال هذا ليس من الجهاز عرفا . وبقي لو جرى العرف في تمليك البعض وإعارة البعض . ورأيت في حاشية الأشباه للسيد محمد أبي السعود عن حاشية الغزي قال الشيخ الإمام الأجل الشهيد : المختار للفتوى أن يحكم بكون الجهاز ملكا لا عارية لأن الظاهر الغالب إلا في بلدة جرت العادة بدفع الكل عارية فالقول للأب . وأما إذا جرت في البعض يكون الجهاز تركة يتعلق بها حق الورثة هو الصحيح . ا هـ . ولعل وجهه أن البعض الذي يدعيه الأب بعينه عارية لم تشهد به العادة ، بخلاف ما لو جرت العادة بإعارة الكل فلا يتعلق به حق ورثتها بل يكون كله للأب ، والله تعالى أعلم .

[ تنبيه ] ذكر البيري في شرح الأشباه أن ما ذكروه في مسألة الجهاز إنما هو فيما إذا كان النزاع من الأب أما لو مات فادعت ورثته فلا خلاف في كون الجهاز للبنت لما في الولوالجية : جهز ابنته ثم مات فطلب بقية الورثة القسمة ، فإن كان الأب اشترى لها في صغرها أو في كبرها وسلم لها في صحته لها خاصة . ا هـ .

قلت : وفيه نظر لأن كلام الولوالجية في ملك البنت له بالشراء لو صغيرة ، وبالتسليم لو كبيرة . ولا فرق فيه بين موت الأب وحياته ، ويدل عليه ما مر من قول المصنف والشارح ليس له الاسترداد منها ولا لورثته بعده وإنما الكلام في سماع دعوى العارية بعد الشراء أو التسليم والمعتمد البناء على العرف كما علمت ، ولا فرق في ذلك أيضا بين موت الأب وحياته ، فدعوى ورثته كدعواه فتأمل ( قوله ما لو كان إلخ ) والظاهر أنه إن أمكن التمييز فيما زاد على ما جهز به مثلها كان القول فيه ، وإلا فالقول في الجميع رحمتي




الخدمات العلمية