الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            2997 - ( وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من قتل له قتيل فهو بخير النظرين : إما أن يفتدي وإما أن يقتل } رواه الجماعة لكن لفظ الترمذي : " إما أن يعفو وإما أن يقتل " ) [ ص: 12 ]

                                                                                                                                            2998 - وعن أبي شريح الخزاعي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { من أصيب بدم أو خبل والخبل : الجراح فهو بالخيار بين إحدى ثلاث : إما أن يقتص أو يأخذ العقل أو يعفو فإن أراد رابعة فخذوا على يديه } رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه

                                                                                                                                            2999 - وعن ابن عباس قال : كان في بني إسرائيل القصاص ولم يكن فيهم الدية فقال الله تعالى لهذه الأمة : { كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر } الآية { فمن عفي له من أخيه شيء } قال : فالعفو أن يقبل في العمد الدية والاتباع بالمعروف يتبع الطالب بمعروف ويؤدي إليه المطلوب بإحسان { ذلك تخفيف من ربكم ورحمة } فيما كتب على من كان قبلكم رواه البخاري والنسائي والدارقطني

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث أبي شريح الخزاعي في إسناده محمد بن إسحاق وقد أورده معنعنا وهو معروف بالتدليس ، فإذا عنعن ضعف حديثه كما تقدم تحقيقه غير مرة وفي إسناده أيضا سفيان بن أبي العوجاء السلمي ، قال أبو حاتم الرازي : ليس بالمشهور ، وقد أخرج الحديث المذكور النسائي ، وأصله في الصحيحين من حديث أبي هريرة بمعناه كما في حديثه المذكور . وأبو شريح بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون التحتية وبعدها حاء مهملة اسمه خويلد بن عمرو ، ويقال : كعب بن عمرو ، ويقال : هانئ ، ويقال : عبد الرحمن بن عمرو ، وقيل غير ذلك ، والأول هو المشهور .

                                                                                                                                            قوله : ( بخير النظرين إما أن يفتدي وإما أن يقتل ) ظاهره أن الخيار إلى الأهل الذين هم الوارثون للقتيل سواء كانوا يرثونه بسبب أو نسب ، وهذا مذهب العترة والشافعي وأبي حنيفة وأصحابه وقال الزهري ومالك : يختص بالعصبة إذ شرع لنفي العار كولاية النكاح ، فإن عفوا فالدية كالتركة . وقال ابن سيرين : يختص بالورثة من النسب إذ شرع للتشفي ، والزوجية ترتفع بالموت فلا تشفي . وأجيب بأنه شرع لحفظ الدماء لقوله تعالى: { ولكم في القصاص حياة } وظاهر الحديث أن القصاص والدية واجبان على التخيير ، وإليه ذهبت الهادوية والناصر وأبو حامد والشافعي في قول له . وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي في أحد قوليه والناصر والداعي والطبري : إن الواجب بالقتل هو القصاص لا الدية ، فليس للولي اختيارها لقوله تعالى: { كتب عليكم القصاص في القتلى } ولم يذكر الدية .

                                                                                                                                            ويجاب بأن عدم الذكر في الآية لا يستلزم عدم الذكر مطلقا ، فإن الدية قد ذكرت في حديثي [ ص: 13 ] الباب . وأيضا تقدير الآية فمن اقتص فالحر بالحر ، ومن عفي له من أخيه شيء فالدية ، ويدل على ذلك تفسير ابن عباس المذكور . وظاهر الحديث أيضا أن الولي إذا عفا عن القصاص لم تسقط الدية بل يجب على القاتل تسليمها .

                                                                                                                                            وروي عن مالك وأبي حنيفة والشافعي في قول له والمؤيد بالله في قول له أيضا أنها تتبع القصاص في السقوط ، ويؤيد عدم السقوط قوله تعالى: { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان } وأجاب القائلون بالسقوط بأن المعروف والإحسان التفضل لا الوجوب ، كما تقتضيه العبارة ، لأن الوجوب يقتضي العقاب على الترك ، والمعروف والإحسان لا يقتضيان ذلك بدليل قوله تعالى: { ذلك تخفيف من ربكم ورحمة } ورد بأن التخفيف المذكور هو بالتخيير بين القصاص والدية لهذه الأمة بعد أن كان الواجب على بني إسرائيل هو القصاص فقط ، ولم يكن فيهم الدية ، ولا شك أن التخيير بين أمرين أوسع وأخف من تعيين واحد منهما كما في كلام ابن عباس المذكور في الباب .

                                                                                                                                            ويدل على عدم سقوط الدية بسقوط القصاص حديث أبي هريرة وحديث أبي شريح المذكوران . وقد أخرج الترمذي وابن ماجه حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ : { من قتل متعمدا أسلم إلى أولياء المقتول ، فإن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا العقل ثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين خلفة في بطونها أولادها } وفي الكشاف في تفسير الآية المذكورة ما لفظه : { فاتباع بالمعروف } فليكن اتباع أو فالأمر اتباع وهذه توصية للمعفو عنه والعافي جميعا ، يعني فليتبع الولي القاتل بالمعروف بأن لا يعنف عليه وأن لا يطالبه إلا مطالبة جميلة وليؤد إليه القاتل بدل دم المقتول أداء بإحسان بأن لا يمطله ولا يبخسه ذلك الحكم المذكور من العفو والدية { تخفيف من ربكم ورحمة } لأن أهل التوراة كتب عليهم القصاص ألبتة وحرم العفو وأخذ الدية ، وعلى أهل الإنجيل العفو وحرم القصاص والدية ، وخيرت هذه الأمة بين الثلاث : القصاص والدية والعفو توسعة عليهم وتيسيرا انتهى .

                                                                                                                                            والمراد بقوله في حديث أبي شريح " فإن أراد رابعة فخذوا على يديه " أي إذا أراد زيادة على القصاص أو الدية أو العفو ، ومن ذلك قوله تعالى: { فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم } .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية