الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        قال : ( وأما شركة العنان فتنعقد على الوكالة دون الكفالة ، وهي أن يشترك اثنان في نوع بر أو طعام أو يشتركان في عموم التجارات ولا يذكران الكفالة ) وانعقاده على الوكالة لتحقق مقصوده كما بيناه ولا تنعقد على الكفالة [ ص: 395 ] لأن اللفظ مشتق من الإعراض يقال عن له : أي عرض ، وهذا لا ينبئ عن الكفالة وحكم التصرف لا يثبت بخلاف مقتضى اللفظ ( ويصح التفاضل في المال ) للحاجة إليه وليس من قضية اللفظ المساواة . ( ويصح أن يتساويا في المال ويتفاضلا في الربح ) وقال زفر والشافعي رحمهما الله: لا تجوز ، لأن التفاضل فيه يؤدي إلى ربح ما لم يضمن فإن المال إذا كان نصفين والربح أثلاثا فصاحب الزيادة يستحقها بلا ضمان إذ الضمان بقدر رأس المال ولأن الشركة عندهما في الربح للشركة في الأصل ، ولهذا يشترطان الخلط فصار ربح المال بمنزلة نماء الأعيان فيستحق بقدر الملك في الأصل . ولنا قوله صلى الله عليه وسلم : { الربح على ما شرطا والوضيعة على قدر المالين }ولم يفصل ولأن الربح كما يستحق بالمال يستحق بالعمل كما في المضاربة ، وقد يكون أحدهما أحذق وأهدى وأكثر عملا وأقوى فلا يرضى بالمساواة فمست الحاجة إلى التفاضل ، بخلاف اشتراط جميع الربح لأحدهما ، لأنه يخرج العقد به من الشركة ، ومن المضاربة أيضا قرض باشتراطه للعامل أو إلى بضاعة باشتراطه لرب المال ، وهذا العقد يشبه المضاربة من حيث إنه يعمل في مال الشريك ، ويشبه الشركة اسما وعملا فإنهما يعملان فعملنا بشبه المضاربة وقلنا يصح اشتراط الربح من غير ضمان ويشبه الشركة حتى لا تبطل باشتراط العمل عليها . قال : ( ويجوز أن يعقدها كل واحد منهما ببعض ماله دون البعض ) لأن المساواة في المال ليست بشرط فيه إذ اللفظ لا يقتضيه ( ولا يصح إلا بما بينا ) أن المفاوضة تصح به للوجه الذي ذكرناه ( ويجوز أن يشتركا ومن جهة أحدهما دنانير ومن الآخر دراهم ، وكذا من أحدهما دراهم بيض ومن الآخر سود ) وقال زفر والشافعي رحمهما الله: لا يجوز ، وهذا بناء على اشتراط الخلط [ ص: 396 ] وعدمه فإن عندهما شرط ولا يتحقق ذلك في مختلفي الجنس وسنبينه من بعد إن شاء الله تعالى . قال : ( وما اشتراه كل واحد منهما للشركة طولب بثمنه دون الآخر ) لما بينا أنه يتضمن الوكالة دون الكفالة والوكيل هو الأصل في الحقوق . قال : ( ثم يرجع على شريكه بحصته منه ) معناه إذا أدى من مال نفسه لأنه وكيل من جهته في حصته فإذا نقد من مال نفسه رجع عليه فإن كان لا يعرف ذلك إلا بقوله فعليه الحجة لأنه يدعي وجوب المال في ذمة الآخر وهو ينكر والقول للمنكر مع يمينه . قال : ( وإذا هلك مال الشركة أو أحد المالين قبل أن يشتريا شيئا بطلت الشركة ) لأن المعقود عليه في عقد الشركة المال فإنه تعين فيه كما في الهبة والوصية وبهلاك المعقود عليه يبطل العقد كما في البيع ، بخلاف المضاربة والوكالة المفردة لأنه لا يتعين الثمنان فيهما بالتعيين وإنما يتعينان بالقبض على ما عرف وهذا ظاهر فيما إذا هلك المالان وكذا إذا هلك أحدهما لأنه ما رضي بشركة صاحبه في ماله إلا ليشركه في ماله ، فإذا فات ذلك لم يكن راضيا بشركته فيبطل العقد لعدم فائدته وأيهما هلك ، هلك من مال صاحبه ، إن هلك في يده فظاهر ، وكذا إذا كان هلك في يد الآخر لأنه أمانة في يده بخلاف ما بعد الخلط حيث يهلك على الشركة لأنه لا يتميز فيجعل الهالك من المالين ( وإن اشترى أحدهما بماله وهلك مال الآخر قبل الشراء فالمشترى بينهما على ما شرطا ) لأن الملك حين وقع وقع مشتركا بينهما لقيام الشركة وقت الشراء ، فلا يتغير الحكم بهلاك مال الآخر بعد ذلك ، ثم الشركة شركة عقد عند محمد رحمه الله خلافا للحسن بن زياد حتى أن أيهما باع جاز بيعه لأن الشركة قد تمت في المشترى فلا ينتقض بهلاك المال بعد تمامها . قال : ( ويرجع على شريكه بحصة من ثمنه ) لأنه اشترى نصفه بوكالته ، ونقد الثمن من مال نفسه وقد بيناه ، هذا إذا اشترى أحدهما بأحد المالين أولا ثم [ ص: 397 ] هلك مال الآخر ، أما إذا هلك مال أحدهما ثم اشترى الآخر بمال الآخر إن صرحا بالوكالة في عقد الشركة فالمشترى مشترك بينهما على ما شرطا ، لأن الشركة إن بطلت فالوكالة المصرح بها قائمة فكان مشتركا بحكم الوكالة ، ويكون شركة ملك ويرجع على شريكه بحصته من الثمن لما بيناه ، وإن ذكرا مجرد الشركة ولم ينصا على الوكالة فيها كان المشترى للذي اشتراه خاصة ، لأن الوقوع على الشركة حكم الوكالة التي تضمنتها الشركة ، فإذا بطلت يبطل ما في ضمنها بخلاف ما إذا صرح بالوكالة لأنها مقصودة . قال : ( وتجوز الشركة وإن لم يخلطا المال ) وقال زفر والشافعي رحمهما الله: لا تجوز لأن الربح فرع المال ، ولا يقع الفرع على الشركة إلا بعد الشركة في الأصل ، وأنه بالخلط وهذا لأن المحل هو المال ولهذا يضاف إليه ويشترط تعيين رأس المال بخلاف المضاربة لأنها ليست بشركة وإنما هو يعمل لرب المال فيستحق الربح عمالة على عمله ، أما هنا بخلافه وهذا أصل كبير لهما حتى يعتبر اتحاد الجنس ، ويشترط الخلط ولا يجوز التفاضل في الربح مع التساوي في المال ، ولا تجوز شركة التقبل والأعمال لانعدام المال ، ولنا أن الشركة في الربح مستندة إلى العقد دون المال ، لأن العقد يسمى شركة ، فلا بد من تحقق معنى هذا الاسم فيه فلم يكن الخلط شرطا ، ولأن الدراهم والدنانير لا يتعينان فلا يستفاد الربح برأس المال وإنما يستفاد بالتصرف لأنه في النصف أصيل وفي النصف وكيل . وإذا تحققت الشركة في التصرف بدون الخلط تحققت في المستفاد به وهو الربح بدونه وصار كالمضاربة فلا يشترط اتحاد الجنس والتساوي في الربح وتصح شركة التقبل . قال : ( ولا تجوز الشركة إذا شرط لأحدهما دراهم مسماة من الربح ) لأنه شرط يوجب انقطاع الشركة فعساه لا يخرج إلا قدر المسمى لأحدهما ، ونظيره في المزارعة . قال : ( ولكل واحد من المتفاوضين وشريكي العنان أن يبضع المال ) لأنه معتاد في عقد الشركة ولأن له أن يستأجر على العمل والتحصيل بغير عوض [ ص: 398 ] دونه فيملكه ، وكذا له أن يودعه لأنه معتاد ولا يجد التاجر منه بدا . قال : ( ويدفعه مضاربة ) لأنه دون الشركة فتتضمنها . وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه ليس له ذلك لأنه نوع شركة ، والأصح هو الأول وهو رواية الأصل ، لأن الشركة غير مقصودة وإنما المقصود تحصيل الربح كما إذا استأجره بأجر بل أولى لأنه تحصيل بدون ضمان في ذمته بخلاف الشركة حيث لا يملكها لأن الشيء لا يستتبع مثله . قال : ( ويوكل من يتصرف فيه ) لأن التوكيل بالبيع والشراء من توابع التجارة والشركة انعقدت للتجارة ، بخلاف الوكيل بالشراء حيث لا يملك أن يوكل غيره لأنه عقد خاص طلب منه تحصيل العين فلا يستتبع مثله . قال : ( ويده في المال يد أمانة ) لأنه قبض المال بإذن المالك لا على وجه البدل والوثيقة فصار كالوديعة . .

                                                                                                        [ ص: 392 - 395 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 392 - 395 ] الحديث الثالث : قال عليه السلام : { الربح على ما شرطا ، والوضيعة على قدر المالين }; قلت : غريب جدا ، ويوجد في بعض كتب الأصحاب من قول علي ، وبعده فصلان ليس فيهما شيء .




                                                                                                        الخدمات العلمية