الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        عن ابن القاص أن من أنكر الحلف بالطلقات الثلاث يحلف أنه ما قال لها : إن دخلت الدار ، فأنت طالق ثلاثا ، وهي بائن منه بثلاث . وقال الشيخ أبو زيد : يكفيه أنها لم تبن منه بثلاث . ووجه الأول أنه [ ص: 100 ] قد يحلف متأولا على مذهب الحجاج بن أرطاة وتابعيه أن الثلاث لا تقع مجموعة ، أو على تصحيح الدور . ويجوز أن يقال : إن قال : لم تبن مني ، حلف عليه ، وإن قال : لم أحلف بطلاقها ، حلف عليه .

                                                                                                                                                                        حكى الهروي عن العبادي أن من ادعى عليه وديعة ، فقال : لا يلزمني دفع شيء إليه ، لا يكون هذا جوابا ; لأن المودع لا دفع عليه ، إنما يلزمه التخلية ، والجواب الصحيح أن ينكر أصل الإيداع ، أو يقول : هلك في يدي ، أو رددته ، وهذا يخالف كلام الأصحاب ، ألا تراهم يقولون : من جحد الوديعة فقامت بينة بالإيداع ، فادعى تلفا أو ردا قبل الجحود ، نظر ، إن كانت صيغة جحده إنكار أصل الوديعة أم قال : لا يلزمني تسليم شيء إليك ، فإما أن يقدر خلاف ، أو يئول ما أطلقوه .

                                                                                                                                                                        قلت : الذي قاله ابن القاص صحيح ، وتأويل كلامهم متعين ، وهو أنهم أرادوا إذا جرى منه هذا اللفظ ، فحكمه كذا ; لأن القاضي يقنع منه بهذا الجواب مع طلب الخصم الجواب . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وأنه إذا أقام بينة بأنه أجير فلان لحفظ سفينته هذه بدينار ، وأقام صاحب السفينة بينة أنه أجره إياها بدينار ، تعارضتا ، وأنه لو شهد عليه اثنان بالقتل في وقت معين ، وآخران أنه لم يقتل في ذلك الوقت لأنه كان معنا ، ولم يغب عنا ، تعارضتا ، وقد سبق من نظائر هذا ما يخالفه .

                                                                                                                                                                        قلت : يعني أن البينة الثانية شهدت بالنفي ، وقد سبق أن شهادة النفي لا تقبل إلا في مواضع الضرورة ، كالإعسار . هذا مراد الرافعي هنا ، وقد تقدم في الفصل السابق عن فتاوى الغزالي ما يوافقه ، ولكنه ضعيف مردود ، بل الصواب أن النفي إذا كان في محصور يحصل العلم به ، قبلت الشهادة به ، وقد سبق ذكري لهذه المسألة في الشهادات . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        [ ص: 101 ] وأن من أراد أن يدعي ، ويقيم البينة من غير أن يعترف للمدعى عليه باليد ، فطريقه أن يقول : الموضع الفلاني ملكي ، وهذا يمنعني منه تعديا ، فمره يمكني منه . وأنه لو شهد شاهدان أن الكلب ولغ في هذا الإناء ولم يلغ في ذاك وآخران بضده ، تعارضتا ، فلو لم يقولوا : لم يلغ في ذلك فالإناءان نجسان ، وهذا شهادة على إثبات ونفي ، ويمكن التعارض بلا نفي ، بأن يعينا وقتا لا يمكن فيه إلا ولوغ واحد .

                                                                                                                                                                        قلت : هذه المسألة ذكرتها في كتاب الطهارة مستوفاة مختصرة ، وفي هذا الذي ذكره العبادي فيها من إثبات التعارض تصريح بقبول شهادة النفي في المحصور كما سبق قريبا . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية