الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 75 ] باب الساعات التي نهي عن الصلاة فيها قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( هي خمس اثنتان نهي عنهما لأجل الفعل ، وهي بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، والدليل عليه ما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال : " حدثني أناس أعجبهم إلي عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وبعد الصبح حتى تطلع الشمس } " وثلاث نهي عنها لأجل الوقت ، وهي عند طلوع الشمس حتى ترتفع ، وعند الاستواء حتى تزول ، وعند الاصفرار حتى تغرب والدليل عليه ما روى عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : { ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو نقبر موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظهيرة ، وحين تضيف الشمس للغروب } " وهل يكره التنفل لمن صلى ركعتي الفجر ؟ فيه وجهان ( أحدهما ) : يكره ; لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ليبلغ الشاهد منكم الغائب أن لا تصلوا بعد الفجر إلا سجدتين } " ( والثاني ) : لا يكره ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه إلا بعد الصبح حتى تطلع الشمس )

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث ابن عباس رواه البخاري ومسلم ولفظه عندهما عن ابن عباس : " { شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق وبعد العصر حتى تغرب } " وأما حديث عقبة بن عامر فرواه مسلم وفيه زيادة : { وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول } " وأما حديث ابن عمر فرواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وإسناده حسن إلا أن فيه رجلا مستورا ، وقد قال الترمذي إنه حديث غريب .

                                      ( وأما ألفاظ الفصل ) فقوله : لأجل الفعل سبق أن اللغة الفصيحة أن يقول : من أجل ، وقوله : وهي بعد صلاة الصبح كان ينبغي أن يقول : وهما ، وقوله : نقبر فيهن : هو بضم الباء وكسرها لغتان فصيحتان ، وقوله : قائم الظهيرة هو حال الاستواء ، وقوله : تضيف هو بفتح أوله والضاد المعجمة وتشديد الياء المثناة تحت المفتوحة وبعدها فاء ، أي تميل ، والمراد بالسجدتين [ ص: 76 ] ركعتا سنة الفجر ، وعقبة بن عامر من مشهوري الصحابة رضي الله عنهم وهو جهني في كنيته سبعة أقوال : ( أحدها ) : أبو حماد سكن مصر وتولاها لمعاوية ، وتوفي بها سنة ثمان وخمسين .

                                      ( أما حكم المسألة ) فتكره الصلاة في هذه الأوقات الخمسة التي ذكرها المصنف ، فالوقتان الأولان تتعلق كراهيتهما بالفعل ، ومعناه أنه لا يدخل وقت الكراهة لمجرد الزمان ، وإنما يدخل إذا فعل فريضة الصبح وفريضة العصر ، وأما الأوقات الثلاثة فتتعلق الكراهة فيها بمجرد الزمان هكذا قال المصنف والجمهور : إن أوقات الكراهة خمسة ، وقال جماعة : هي ثلاثة من صلاة الصبح حتى ترتفع الشمس ، ومن العصر حتى تغرب ، وحال الاستواء وهو يشمل الخمسة ، والعبارة الأولى أجود ; لأن من لم يصل الصبح حتى طلعت الشمس يكره له التنفل حتى ترتفع قيد رمح ، وكذا من لم يصل العصر حتى اصفرت الشمس يكره له التنفل حتى تغرب ، وهذا يفهم من العبارة الأولى دون الثانية ولأن حال اصفرار الشمس يكره التنفل فيه على العبارة الأولى بسببين ، وعلى الثانية بسبب .

                                      ( واعلم ) أن الكراهة عند طلوع الشمس تمتد حتى ترتفع قدر رمح ، هذا هو الصحيح وبه قطع المصنف في التنبيه والجمهور ، وفيه وجه حكاه الخراسانيون أن الكراهة تزول إذا طلع قرص الشمس بكماله ، ويستدل له بحديث أبي هريرة رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس ، وبعد العصر حتى تغرب الشمس } " رواه البخاري ومسلم ، وروياه أيضا من رواية أبي سعيد الخدري ويستدل للمذهب بحديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال : { قلت يا نبي الله ، أخبرني عن الصلاة قال : صل صلاة الصبح ، ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع فإنها تطلع حين تطلع بين قرني الشيطان ، وحينئذ يسجد لها الكفار ، ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح ، ثم أقصر عن الصلاة فإن حينئذ تسجر جهنم فإذا أقبل الفيء فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان ، وحينئذ يسجد لها الكفار } " رواه مسلم [ ص: 77 ] وتحمل رواية الطلوع على الطلوع مرتفعة بدليل حديث عمرو بن عبسة جمعا بين الأحاديث ، وقد أوضحت هذه الروايات والجمع بينها في شرح صحيح مسلم ولا خلاف أن وقت الكراهة بعد العصر لا يدخل بمجرد دخول العصر ، بل لا يدخل حتى يصليها ، وأما في الصبح ففيه ثلاثة أوجه ( الصحيح ) الذي عليه الجمهور أنه لا يدخل بطلوع الفجر ، بل لا يدخل حتى يصلي فريضة الصبح ( والثاني ) : يدخل بصلاة سنة الصبح ( والثالث ) : بطلوع الفجر ، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد وأكثر العلماء ويستدل له مع ما ذكره المصنف من حديث ابن عمر بحديث حفصة رضي الله عنها قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر لم يصل إلا ركعتين خفيفتين } رواه البخاري ومسلم ويجاب عنه للمذهب بأن هذا ليس فيه نهي ، وحديث ابن عمر تقدم الكلام في إسناده ، فإن ثبت يؤول على موافقة غيره والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية