الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر شغب الأتراك ببغداذ على جلال الدولة

في هذه السنة ثار الأتراك ببغداذ على جلال الدولة ، وشغبوا ، وطالبوا الوزير أبا علي بن ماكولا بما لهم من العلوفة والإدرار ، ونهبوا داره ، ودور كتاب الملك [ ص: 706 ] وحواشيه ، حتى المغنين والمخنثين ، ونهبوا صياغات أخرجها جلال الدولة لتضرب دنانير ودراهم ، وتفرق فيهم وحصروا جلال الدولة في داره ، ومنعوه الطعام والماء حتى شرب أهله ماء البئر ، وأكلوا ثمرة البستان . فسألهم أن يمكنوه من الانحدار ، فاستأجروا له ولأهله وأثقاله سفنا ، فجعل بين الدار والسفن سرادقا لتجتاز حرمه فيه ، لئلا يراهم العامة والأجناد فقصد بعض الأتراك السرادق ، فظن جلال الدولة أنهم يريدون الحرم ، فصاح بهم يقول لهم : بلغ أمركم إلى الحرم ! وتقدم إليهم ، وبيده طبر ، فصاح صغار الغلمان والعامة : جلال الدولة يا منصور ، ونزل أحدهم عن فرسه وأركبه إياه ، وقبلوا الأرض بين يديه .

فلما رأى قواد الأتراك ذلك هربوا إلى خيامهم بالرملة ، وخافوا على نفوسهم ، وكان في الخزانة سلاح كثير ، فأعطاه جلال الدولة أصاغر الغلمان وجعلهم عنده ، ثم أرسل إلى الخليفة ليصلح الأمر مع أولئك القواد ، فأرسل إليهم الخليفة القادر بالله ، فأصلح بينهم وبين جلال الدولة ، وحلفوا ، فقبلوا الأرض بين يديه ، ورجعوا إلى منازلهم ، فلم يمض غير أيام حتى عادوا إلى الشغب ، فباع جلال الدولة فرشه وثيابه وخيمه وفرق ثمنه فيهم حتى سكنوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية