الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        واختلفوا أيضا هل يجري القياس في الحدود ، والكفارات ، أم لا ، فمنعه الحنفية ، وجوزه غيرهم .

                        احتج المانعون بأن الحدود مشتملة على تقديرات لا تعقل ، كعدد المائة في الزنا ، والثمانين في القذف ، فإن العقل لا يدرك الحكمة في اعتبار خصوص هذا العدد ، والقياس فرع تعقل المعنى في حكمة الأصل ، وما كان يعقل منها ، كقطع يد السارق ، لكونها قد جنت بالسرقة فقطعت ، فإن الشبهة في القياس لاحتماله الخطأ توجب المنع من إثباته بالقياس ، وهكذا اختلاف تقديرات الكفارات فإنه لا يعقل ، كما لا تعقل أعداد الركعات .

                        [ ص: 645 ] وأجيب عن ذلك : بأن جريان القياس إنما يكون فيما يعقل معناه منها ، لا فيما لا يعقل ، فإنه لا خلاف في عدم جريان القياس فيه ، كما في غير الحدود والكفارات ولا مدخل لخصوصيتهما في امتناع القياس .

                        وأجيب عما ذكروه من الشبهة في القياس ; لاحتماله الخطأ ، بالنقض بخبر الواحد ، وبالشهادة ، فإن احتمال الخطإ فيهما قائم ; لأنهما لا يفيدان القطع ، وذلك يقتضي عدم ثبوت الحد بهما .

                        والجواب : الجواب .

                        واحتج القائلون بإثبات القياس في الحدود والكفارات ، بأن الدليل الدال على حجية القياس يتناولهما بعمومه ، فوجب العمل به فيهما .

                        ويؤيد ذلك أن الصحابة حدوا في الخمر بالقياس ، حتى تشاوروا فيه ، فقال علي - رضي الله عنه - : إذا شرب سكر وإذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى; فأرى عليه حد الافتراء .

                        فأقام مظنة الشيء مقامه ، وذلك هو القياس .

                        واحتجوا أيضا بأن القياس إنما يثبت في غير الحدود والكفارات; لاقتضاء الظن ، وهو حاصل فيهما فوجب العمل به .

                        واعلم أن عدم جريان القياس فيما لا يعقل معناه ، كضرب الدية على العاقلة ، قد قيل : إنه إجماع ، وقيل : إنه مذهب الجمهور ، وأن المخالف في ذلك شذوذ .

                        ووجه المنع أن القياس فرع تعقل المعنى المعلل به الحكم في الأصل .

                        و استدل من أثبت القياس فيما لا يعقل معناه بأن الأحكام الشرعية متماثلة; لأنه يشملها حد واحد ، وهو الحكم الشرعي ، والمتماثلان يجب اشتراكهما فيما يجوز عليهما; لأن حكم الشيء حكم مثله .

                        [ ص: 646 ] وأجيب : بأن هذا القدر لا يوجب التماثل ، وهو الاشتراك في النوع ، فإن الأنواع المتخالفة قد تندرج تحت جنس واحد ، فيعمها حد واحد ، وهو حد ذلك الجنس ، ولا يلزم من ذلك تماثلها ، بل تشترك في الجنس ، ويمتاز كل نوع منها بأمر يميزه ، وحينئذ فما كان يلحقها باعتبار القدر المشترك من الجواز والامتناع يكون عاما ، لا ما كان يلحقها باعتباره غيره .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية