الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم

( باب ما جاء في تعطر رسول الله - صلى الله عليه وسلم )

التعطر : استعمال العطر كما أن التطيب استعمال الطيب ، ورجل معطر كثير التعطر ، والعطر بالكسر الطيب .

واعلم أنه - صلى الله عليه وسلم - كان طيب الريح دائما ، وإن لم يمس طيبا ، ومن ثمة قال أنس : ما شممت ريحا قط ولا مسكا ولا عنبرا أطيب من ريح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . رواه أحمد ، والبخاري بلفظ مسكة ، ولا عنبرة ، والمصنف في باب الخلق بلفظ مسكا ، ولا عطرا كان أطيب من عرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وروى الطبراني أنه - صلى الله عليه وسلم - نفث في يده ثم مسح ظهر عقبة ، وبطنه فعبق به طيب حتى كان عنده أربع نسوة كلهن تجتهد أن تساويه فيه ، فلم تستطع مع أنه كان لا يتطيب .

وروى هو وأبو يعلى أنه - صلى الله عليه وسلم - سلت أي مسح بأصبعه لمن استعان به على تجهيز بنته من عرقه في قارورة ، وقال : مرها فلتطيب به فكانت إذا تطيبت به شم أهل المدينة ذلك الطيب فسموا بيت المطيبين .

وروى الدارمي ، والبيهقي ، وأبو نعيم أنه لم يكن يمر بطريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه سلكه من طيب عرقه وعرفه ، ولم يكن يمر بحجر إلا يسجد له .

وروى أبو يعلى والبزار بسند صحيح أنه كان إذا مر من طريق وجدوا منه رائحة الطيب ، وقالوا : مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا الطريق . وفي صحيح مسلم أنه نام عند أم أنس فعرق فسلتت عرقه في قارورتها فاستيقظ فقال : ما هذا الذي تصنعين يا أم سليم فقالت : هذا عرقك نجعله لطيبنا ، وهو أطيب الطيب .

وأما فضلاته - صلى الله عليه وسلم - فروى الطبراني بسند حسن أو صحيح أن عائشة رضي الله عنها قالت : يا رسول الله إني أراك تدخل الخلاء ثم يأتي الذي بعدك فلا يرى لما يخرج منك أثرا فقال : يا عائشة أما علمت أن الله أمر الأرض أن تبتلع ما يخرج من الأنبياء .

ورواه ابن سعد من طريق آخر والحاكم في مستدركه من طريق آخر . قال ابن حجر : فقول البيهقي هذا من موضوعات الحسن بن علوان لا ينبغي ذكره ففي الأحاديث الصحيحة المشهورة في معجزاته كناية عن كذب الحسن بن علوان يحمل على متنه الذي ذكره بخصوصه ، وهو .

أما علمت أن أجسادنا نبتت على أرواح أهل الجنة وما خرج منها ابتلعته الأرض . أو على أن الحكم عليه بالوضع خاص بتلك الطريق دون بقية الطرق أو على أنه لم يطلع على تلك الطرق وهذا الأظهر .

ثم ما ذكر إنما هو الغائط وأما البول فقد شاهده غير واحد وشربته بركة أم أيمن مولاته وبركة أم يوسف خادمة أم حبيبة صحبتها من أرض [ ص: 3 ] الحبشة ، وكان له قدح من عيدان تحت سريره يبول فيه فشربته بركة الثانية فقال لها : صححت يا أم يوسف فلم تمرض سوى مرض موتها .

وصح عن بركة الأولى قالت : قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ليلة إلى فخارة في جانب البيت فبال فيها فقمت من الليل ، وأنا عطشانة فشربت ما فيها ، وأنا لا أشعر فلما أصبح - صلى الله عليه وسلم - قال : يا أم أيمن قومي فأهريقي ما في تلك الفخارة فقلت : والله شربت ما فيها فضحك - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه ثم قال : أما والله لا ينجعن بطنك أبدا .

قال ابن حجر : وبهذا استدل جمع من أئمتنا المتقدمين وغيرهم على طهارة فضلاته - صلى الله عليه وسلم - وهو المختار وفاقا لجمع من المتأخرين فقد تكاثرت الأدلة عليه وعده الأئمة من خصائصه ، وقيل سببه شق جوفه الشريف وغسل باطنه - صلى الله عليه وسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية